مقدمة بين يدي الموضوع:
أولاً: توضيح مفهوم القيم المجتمعية
القيم المجتمعية هي مجموعة القواعد السلوكية الحميدة التي اتفقت عليها الأمم على أنها معيار لبناء الأمم و حضارتها ورقيها ( كالعدل، الحرية، المساواة، الوفاء … الخ )
ثانيا: ربط ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم بالقيم المجتمعية
في ذكرى مولده (صلى الله عليه وسلم) أهم ما يجب التنبيه عليه ومحاولة إبرازه لنا وللآخر هو أنه صلى الله عليه وسلم هو أول من رسخ هذه القيم بين مجتمع المسلمين.
ثالثا:التركيز على الجانب العملي
أهمية بيان أن ترسيخ القيم لا بد أن يجمع المقالة بالفعل، فلا شعارات براقة ولا كلمات أخاذة ما لم تأتي ثمراتها وأكلها على أرض الواقع.
الموضوع
من أبرز القيم الحضارية المجتمعية التي جاءت بها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في المجتمع الاسلامي، وحرص الإسلام على نشرها وغرسها في المجتمع
1- قيمة التكريم والتقدير.
من القرآن الكريم
وهي تربية القرآن الكريم الذي أمرنا بالتكريم والتقدير: فمن القرآن قوله تعالى: ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ” وقولة تعالى: “ولا تبخسوا الناس أشيائهم”
- أخرج الطبراني والخطيب / عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: «يَا جَرِيرُ، لِأَيِّ شَيْءٍ جِئْتَنَا؟» قُلْتُ: لِأُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَلْقَى إِلَيَّ كِسَاءَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ»
من السنة المطهرة
- ماذكره مسلم تعليقا وأبو نعيم في المستخرج عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ) مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}
من تربية الصحابة وسيرهم
- وتربية الصحابة على ذلك خير دليل، فقد أخرج الدينوري في المجالسة وجواهر العلم عن الشعبي قال: رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ لَهُ: لا تَفْعَلْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا. فَقَالَ زَيْدٌ: أَرِنِي يَدَكَ. فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا زَيْدٌ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وسلم)
2- قيمة الإنسانية في التعامل.
فمن القرآن الكريم
” وقولوا للناس حسنا” ” لا يسخر قوم من قوم” ” فقولا له قولا لينا” ” فبما رحمة من الله لنت لهم “
ومن سنته صلى الله عليه وسلم
– روى البيهقي في شعب الإيمان: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ صَغِيرِنَا” وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ”
– وأخرج أحمد بإسناد حسن عن أسماء بنت أبي بكر قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: ” هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ” قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ” أَسْلِمْ “. فَأَسْلَمَ، وَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ كَأَنَّهُ ثَغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : ” غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعْرِهِ “
3- الإشادة والترسيخ لقيمة العدل والإنصاف ولو في غير بلاد الإسلام.
من القرآن
“إن الله يأمر بالعدل والإحسان” “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين”
ومن سنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه
-روى أحمد عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: “أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ ” قَالَ: فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَتَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانَا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ أَمْرِي وَأَمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : “صَدَقَتْ، ثُمَّ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لَا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم”
4- قيمة المساواة بين الرجل والمرأة
من القرآن الكريم
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى” “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى”.
ومن السنة المطهرة
– روى أبو يعلى والخرائطي : عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ أَجَارَتْ عَلَيْكُمْ جَارِيَةٌ فَلَا تَخْفِرُوهَا»
– روى البخاري ومسلم عن أم هانئ: تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ»، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ، فُلَانُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ.
– روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ.
5- قيمة الوفاء بالعهد.
من القرآن الكريم
“وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا” “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” “وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم”.
ومن السنة
أحمد ومسلم / عن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسِيلٍ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ قُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: ” انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ.