Posted on Leave a comment

الإمام الأوروبي: إنما الإمامة التيسير

الإمام الأروبي: «5» إنما الإمامة التيسير

بقلم فضيلة الشيخ الهادي بريك

قال الإمام عليّ عليه الرضوان للصحابة يوما من بعد موت نبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام (هل أنبئكم عن الفقيه كل الفقيه؟ قالوا: بلى. قال: الفقيه كل الفقيه من لا يوئس الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من مكره).

وهو ولا ريب يستلّ ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). ولكن المشكلة ليست في هذه التعليمات إذ هي أجلى من الشمس في رائعة النهار. إنما المشكلة هي في التوازن بين التيسير والتعسير إذ كلاهما مطلوب. ولذلك فهم أكثر الشباب المتدين حديثا أن التيسير تفصّ من تكاليف الإسلام فحاربوا التيسير وربّما رأوا أن كثيرا ممن يدعو إلى التيسير يضعه في غير مكانه ولكن ذلك كله لا يبرر هجران التيسير ولا الكفر به.

من يدرس الإسلام في مصدريه الأوليين الناطقين بإسمه ( القرآن والسنة ) يستنبط بيسر أن تعاليم الإسلام جامعة بين تيسير في مكانه وتعسير في مكانه. لا شك أن الجرائم التي وضع لها سبحانه عقوبات في الدنيا ومثلها التي توعد عليها بمثل ذلك في الآخرة لا يصلح معها عدا التعسير والتشديد. منها على سبيل الذكر الطعن في حرمات الناس دماء وأموالا وأعراضا وحقوقا وكرامات وحريات. أزعم أنه لا شيء أغضب لله بعد الإشراك به أكثر من العدوان على الإنسان ولذلك لا تجد عقوبات خمس متتابعة تزمجر بالنذر إلا في قتل النفس بغير حق وذلك في مثل قوله سبحانه (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عظيما عظيما).

في مثل هذه الجرائم لا بد من التعسير والتشديد حتى إن حبر الأمة إبن عباس لما سأله سائل هل للقاتل توبة أجاب بالنفي إذ قاده حدسه أن السائل مقبل على إزهاق نفس بغير حق ولكنه أجاب وربما في المجلس نفسه بالإيجاب إذ لمس من السائل ندما إذ هو قتل وفرغ من جريمته. ما يتراءى لي هو أن التيسير عادة ما يكون في الفرديات أي الأعمال الفردية الخاصة الشخصية بالتعبير المعاصر فلا تتعدى إلى الناس من جهة ولا تقترف ما قدسه الله سبحانه من مثل الحياة الإنسانية من جهة أخرى وأن التعسير عادة ما يكون في الأعمال الجماعية التي تحميها عصبة أو دولة أو هيئة ويستعان عليها لتكون حرابة بالتعبير القرآني ذلك أن عدوان الجماعة ليس كعدوان الفرد وأن عدوان الفرد على نفسه ليس كعدوانه على غيره إذ أن عدوان المرء على نفسه نادر والإنسان مفطور على حفظ نفسه وليس على العدوان عليها.

لا أتردد في القول أن الله وهو الرحمان الرحيم سبحانه متشدد إلى أبعد حدود التشدد فيما يجني على البشرية عدوانا وغزوا ونهبا وسلبا وإذلالا. بل إنه لك أن تقول أن التيسير الحقيقي لا بد له من مواضع تعسير حتى ينشأ المشهد المتوزان المعتدل فهما إذن صنوان يتعاونان على بناء الشريعة ولكن تنكب الناس لذلك التوازن هو الذي يجعل الخطاب في بعض الأحيان ميّالا إلى التيسير غير ذكّار للتعسير حتى في مواطنه بل حتى عند وقوع أسبابه أو يجعله ميّالا إلى التعسير غير ذكّار للتيسير حتى في مواضعه.

وأظن أن ذلك هو ما حمل الإمام عليّا عليه الرضوان على إجتراح هذه القاعدة العظمى التي يتوجه بها إلى الأئمة والخطباء والعلماء والفقهاء والمنسوبين إلى الدعوة والإفتاء والتوجيه بصفة عامة ليذكرهم بأمرين: أوّلهم الجمع بين الطرفين تعسيرا وتيسيرا من جهة وثانيهما وضع اليسر في مكانه ووضع العسر في مكانه من جهة أخرى وثالثهما التوسط في ذلك والإعتدال والتوازن من جهة ثالثة حتى لا يقنط الناس من رحمة الله سبحانه لفرط ما يسمعون من ذلك الداعية أو المتكلم من إهتمام بالشدائد ولا يأمنوا مكر الله سبحانه لفرط ما يسمعون منه من إفراط في التيسير.

من خير الأمثلة على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام قتل رجال بني قريظة المقاتلين الخائنين عهودهم في ساعة عسرة شديدة إذ كانت المدينة بأسرها مهددة قاب قوسين بل أدنى من جيش عربي قرشي غطفاني عرمرم يعد زهاء إثني عشر ألفا. ذاك تعسير مطلوب لأنه الجريمة خيانة وغدر وليس رأيا أو كفرا أو حتى ردة. ولكنه لما فتح مكة تخول مع الناس التيسير بصفة عامة وذلك بسبب أنهم لم يكونوا خونة بل كفارا محاربين. وذاك تيسير منه عليه الصلاة والسلام ليعلمنا أن خلل الغدر والخيانة هي التي لا دواء لها لأنها متأصلة في النفس تأصل النفس أو الدم ولكن الكفر المستعلن حتى لو صاحبه عدوان فهو قابل للتزحزح إذا ووجه بالحكمة. ألا ترى أن أغلب الخطاب الديني اليوم يرتدي ألبسة التخويف والتعسير وناكية النواكي أن أغلب ذلك يكون في مسائل يسعها التيسير؟ وعندما يكون ذلك الخطاب نفسه من أهله أنفسهم يهون من الجرائم العظمى التي تسلخ الإنسان شعوبا ومجتمعات وهويات أو لا يتعرض لها بالمرة فإنه عليك أن تعيد رسم لسانك وقلمك مرة أخرى لجعله ملتزما بذلك التوازن بين تيسير وتعسير كلّ في موضعه بلا طغيان ولا إخسار من ناحية ومميزا بين جريمة الفرد الأعزل وجرائم العصابات وما في حكمها ومثل ذلك بين جريمة عمّت بها البلوى كما يقول الأقدمون فشررها مستطير تأكل الأخضر واليابس وجريمة ربما تأخذ حكم اللمم الذي تحدث عنه سبحانه في سورة النجم.

الإمام إذن وهو يخاطب الناس أو يكتب لهم أو يتخذ المواقف عليه أن يجمع بين طرفي الخطاب تعسيرا في مكانه وموجها إلى أصحابه وفي زمانه ومكانه وليس هو بحاجة إلى ذكر الأشخاص والمؤسسات والهيئات والصفات وتيسيرا بمثل ذلك ومن ذا تتصحح صورة الناس عن الله سبحانه وعن نبيه عليه الصلاة والسلام وعن دينه وشريعته ذلك أن الناس قليلا ما يقرؤون أو يدرسون إلا قليلا منهم وإنما يكون الإمام هو الفضائية الدينية لهم.

والله أعلم

Posted on

الإمام الأوروبي: الإمامة بالقرآن هي الخيرية المطلقة

الإمام الأروبي: «4» الإمامة بالقرآن هي الخيرية المطلقة

بقلم فضيلة الشيخ الهادي بريك

أخرج الشيخان عن عثمان عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه. أزعم أني تتبعت آلافا مؤلفة من الحديث النبوي بل أزيد ومما رأيته أنه عليه الصلاة والسلام لا يخلع رداء الخيرية إلاّ على عدد قليل من الناس.

منهم من يشيّد الأسرة على الفضيلة لقوله عليه الصلاة والسلام ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ). ومنهم من يعيد بناء النسيج الأخوي الإسلامي لقوله عليه الصلاة والسلام عن المتصارمين العائدين ( وخيرهما من يبدأ صاحبه بالسلام ). وخيريات أخرى قليلة ومنها الخيرية بإسم القرآن الكريم تعلّما وتعليما. لا أظن أنه قليل ولا زهيد أن يقيمك نبي القرآن الكريم عليه الصلاة والسلام على عرش الخيرية. هذه خيرية العلم بعد خيرية الأسرة وخيرية التكافل والتآخي وبهذه الخيريات الثلاث تشيد المجتمعات وتنشأ الأمم وتنهض الشعوب. الإمام هو أكثر الناس إلتحاما بالقرآن الكريم صباح مساء ليل نهار بسبب وظيفته ومن ذا لا مناص له من تقحّم الخيرية.

عدا أن كثيرين منّا يغفلون عن الشطر الثاني من الخيرية أي أنهم يزهدون في تعليم الناس ما علّموا من القرآن الكريم وبذلك لا حقّ لهم في تلك الخيرية المتكونة من شرطين لا مناص منهما معا: خيرية التعلّم أوّلا وخيرية التعليم ثانيا. فلا خيرية لمن تعلّم فلم يعلّم ولا خيرية لمن علّم بلا تعلّم بل هذا شر الخلق. أمّا ما تكون الغفلة عنه أشدّ سيما في هذه الأيام فهو أن التعلّم والتعليم للقرآن الكريم لا يكون إلاّ حرفا وحدّ معا وهو الأمر الذي فسره حبر الأمة وترجمان هذا الكتاب العزيز للصحابة الكرام من بعد موت محمد عليه الصلاة والسلام إذ قال لهم أن الخيرية هي تعلّم القرآن حرفا وحدّا معا وتعليمه الناس بمثل ذلك حرفا وحدّا معا.

بل إنه قال لهم في حديث طويل أنهم اليوم في زمن كثير فقهاؤه قليل قراؤه وسيأتي على الناس زمان يكثر قراؤه ويقل فقهاؤه. العبرة هنا كلها هي لزوم التوسط والإعتدال فلا تبخيس لمن يقيم الحرف ولكن يدفع دفعا حتى يقيم الحدّ الذي هو العلم والفقه بما يطيقه صاحبه ولا تبخيس لمن يقيم الحدّ ولكن يدفع دفعا حتى يقيم الحرف وبذلك تكتمل دائرة الخيرية. المسألة هنا ليست تفاضلية بالمرة بل هي تكاملية. هي تكاملية في الأمة جمعاء قاطبة فلا بأس من وجود من يقيم الحرف وليس له في الحدّ بضاعة. ولكن الذي يؤم الناس ما ينبغي له سوى أن يكون على قدر من إقامة الحرف وإقامة الحدّ معا قدر الإمكان إذ لا تكليف إلا بمستطاع.

تلك هي دوحة القرآن الكريم لا تنفد ثمراتها ولا تخلق من كثرة الرد كما أخبر عليه السلام بل إنها تأتي يوم القيامة وكأنها لم تطمث قطّ. تأتي بكرا . مهمة الإمام هنا هي القيام بعمليات حفر متواصلة كمن يحفر في المناجم لإستخراج الذهب المدفون أو لتسييل الوقود التي به تتقدم الأمم. الإمام هو من يحفر في تلك الدوحة ومع كل حفر جديد سيفيض عليه ذلك الكتاب العزيز بلآلي جديدة أغلى من الذهبين الأصفر والأسود معا. وبذلك يكون الإمام طامحا دوما إلى نيل الخيرية. دعوني أزعم أن هذه الخيرية ـ أي خيرية التعلم والتعليم ـ هي الخيرية المطلقة ذلك أنها مرتبطة بالكتاب العزيز من جهة وبالعلم من جهة أخرى بل هي حاكمة بوجه ما على الخيريات الأخرى فلا تقام أسرة ولا تساس ليكون الزوج خيرا لزوجه إلا بالعلم ولا علم إلا بالقرآن الكريم ولا تعود أنسجة المجتمع من بعد تصرم إلى الإلتئام إلا بالعلم ولا علم إلا بالقرآن بل قل إلا بتزكية وخشوع ومراقبة لله سبحانه ولا يتم ذلك نفسه إلا بالنهل من مذكرات القرآن الكريم.

ذلك هو معنى زعمي أن الخيرية المطلقة هي خيرية القرآن الكريم تعلما وتعليما وحرفا وحدا معا والإمام هو وحده من يكون في تلك الساحة.

والله أعلم

Posted on

الإمام الأروبي: الإمام عدل يرسخ التوازن

الإمام الأروبي: «3» الإمام عدل يرسخ التوازن

بقلم فضيلة الشيخ الهادي بريك

أخرج البزار والطبراني والبيهقي وأحمد وغيرهم أنه قال عليه الصلاة والسلام: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وإنتحال المبطلين. تردّد المحققون في الحديث بين مضعّف ومصحّح وأيّا كان الأمر فإن معناه صحيح له شواهد كثيرة.

أوّل ما ينبغي لك أن ترعاه هنا بلا فوت هو أنه عليه الصلاة والسلام إختصر الدين كله في العلم وهي إشارة غزيرة معناها أنه لا تديّن بلا علم وأن من فاتك في العلم فاتك في الدين ولا ينفي هذا قولهم الصحيح أن من فاتك في الخلق فقد فاتك في الدين ذلك أن الإسلام معادلة متكاملة نصفها علم ونصفها حلم ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (قل آمنت بالله ثم إستقم). كما يعلّمنا الحديث الشريف أن الأمة ستظل حتى يوم القيامة متنوعة التركيب فلا مناص من وجود طائفة الغالين المحرفين على طريقة بني إسرائيل الذين عرفوا بتحريف الكلم عدا أن أولئك يحرفون الكلمة لحما ودما حتى آل الأمر إلى تحريف الكتاب كله أما هؤلاء فإنهم يحرفون المعنى.

كما أن الأمة لا مناص لها من طائفة الجاهلين الذين يقحمون أنفسهم في التأويل بلا أسلحة علمية ولا حتى أردية خلقية تجعلهم يهابون القول على الله بغير علم وأكرم به من ذنب شنعه القرآن العظيم كأكثر ما يكون الذنب شناعة ولأجل ذلك غضب عليه الصلاة والسلام على ثلة من أصحابه إذ أفتوا أميرهم بغير علم فمات ودعا عليهم بالقتل وقال (إنما شفاء العيّ السؤال). ولا مناص للأمة كذلك من طائفة ثالثة تزحم الأرض وهي طائفة المبطلين الذين ينتحلون التعاليم الإسلامية إنتحالا إبتغاء هدم الإسلام على رؤوس أهله من داخله وهو عمل المنافقين في القديم والحديث.

لمقاومة تلك الآفات الثلاث التي تنخر كيان الأمة أرشد عليه الصلاة والسلام الأئمة الذين سمّاهم هنا عدولا (وهم الرواحل في حديث سابق) إلى العلم بهذا التركيب الذي لا مناص منه أوّلا إنفاذا لأعلى قانون إلهي وسنة عمرانية ماضية أي ناموس التنوع والتعدد ومن بعد العلم بذلك فإنه على أولئك العدول مواجهة تلك الطوائف الثلاث مواجهة سلمية قوامها المداد والقلم واللسان والكلمة بمختلف تعبيراتها إذ منها الحزب والجمعية والمنظمة ومنها الفنون بأسرها تأليفا وإخراجا وأداء. تلك هي مهمة العدول ولك أن تلاحظ كذلك أنه سماهم عدولا بسبب أنهم يحرسون المنطقة الوسطى والمساحة اليسرى في الأمة فهم القوّامون عليها ولعل أجمل ما قيل في ذلك قالة الإمام عليّ عليه الرضوان (عليكم بالنهج الأوسط يفيئ إليه الغالي ويلحق به التالي). سمّاهم عدولا نسبة إلى أسمى مقاصد الإسلام العظيم أي مقصد العدل الذي أورده في الكتاب العزيز أنه إرادة إلهية وأمرا رحمانيا (إن الله يأمر بالعدل) و (قل أمر ربي بالقسط) وما ذلك سوى لأن مقاومتهم هي العدل نفسه وهي القسط ذاته وبذلك تحفظ الأمة إذ الأمور بأسبابها وسننها ولعلّ القرآن الكريم أطّر ذلك بدعوته التي لا تعرف توانيا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخير. ألم تشهد الأمة حتى في العهد الراشدي الأوّل طائفة الغالين المحرفين؟ ألم يتصدّ لهم الإمام عليّ كرم الله وجهه؟ بل إن تلك النعرة نشأت ومحمد عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم إذ تقالّ بعض الشباب عبادته فغضب عليهم وعلمنا بالمناسبة النهج الأوسط والطريق العدل.

أمتنا اليوم تواجه تلك الطوائف الثلاث نفسها بل إن تلك الإتجاهات الفكرية إستوعبت ملايين مملينة من شباب الأمة رجالا ونساء ومن ذا فإنه لا مفرّ للعدول الرواحل من المقاومة الفكرية بالكلمة بل بكل ما تعنيه الكلمة أي بكل الوسائل الممكنة عدا إستخدام القوة التي يقدرها السياسيون وكيف نحتاج إلى القوة المادية وقد علمنا نبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام أن أمضى سلاح هو سلاح الكملة التي تغير التصور وتعيد بناء العقل وذلك في حديثه الصحيح (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).

ليت شعري إذا كانت الكلمة بهذا المضاء والحدة في مقاومة الجور السياسي الذي تحميه دولة تحتكر كل مظاهر القوة فهي بتغيير العقول أولى وبإعادة إنتاج المعرفة الصحيحة أحرى ولكن كتب الله على الإنسان داء التعجل. أليس تنخر تلك الطوائف الثلاث اليوم أمتنا لتلتقي موضوعيا مع قوى خارجية نافذة تزيد الطين بلة ليس أوّلها الإحتلال ولا آخرها الدولة العربية التابعة. هي تديّنات ثلاثة ترزح تحت نيرها اليوم أمتنا فمن تدين يجعل التاريخ نموذجا للإسلام وأمته وكأن التاريخ وقف عند السلف عليهم الرضوان وهو بالمناسبة قرف يلتقي بالتمام والكمال مع التفكير الغربي الذي قال أصحابه في كتابهم الشهير (نهاية التاريخ لفوكوياما) .

ومن تدين عكف على التقليد عكوفا فهو أشد كفرا بالتجديد من كفره بالطواغيب. ألم يشنّ الإسلام الحرب بلا هوادة ضد التقليد؟ ألم يفعل ذلك سوى لأن المقلد لا تناط به نهضة لأمة؟ ولك أن تلاحظ بلا تردد أن الوحي الكريم لم يأمرنا ولو إستحبابا ولو مرة واحدة بتقليد خير من يقلد لو كان التقليد حسنة وهو محمد عليه الصلاة والسلام. إنما أمرنا دوما بالإتباع والفرق بين إتباع بإحسان بالتعبير القرآني في سورة التوبة وبين تقليد ببغاوي شاسع واسع. ومن تدين ثالث قلبه معلق بالغرب فهو أمله وأسوته ولكنه يعيش بيننا لحما ودما لصرم الصف الواحد وتعويق المقاومة وإنتحال تجديد هو في الحقيقة تبديد. ذلك هو الوضع الديني العام للأمة في هذه العقود وقد تبرجت تلك الطوائف الثلاث تبرجا عنيفا وواتتها ظروف مقصودة وغير مقصودة حجبت صوت العدل وقلم العدول وما على هؤلاء عدا مواصلة المقاومة.

كيف لا وقد وهبهم الله ما لم يهب غيرهم في السالفين إذ منّ عليهم بثورة إتصالات عارمة تدك الحدود دكا وتفرض سلاح الكلمة صوتا وصورة. وإن أنس فلن أنسى قالة سيدي الإمام القرضاوي يوم دشن موقع إسلام أون لاين قبل عقدين أو أزيد (الجهاد الإكتروني هو جهاد العصر). أجل. العدول الذين يبحث عنهم نبي الأمة عليه الصلاة والسلام هم فرسان الجهاد المعاصر والجهاد المعاصر هو جهاد الكلمة ولعلّ من أمضى ساحات الكلمة التي فرطنا فيها بغبش علمي وشغب علمي لا يليق بنا هي ساحة الفنون ذلك أن أمضى سلاح يؤثر في الناس ويعيد بناء العقول إنما هو سلاح الفنون خاصة في ساحة إعلامية هادرة لا ينافس فيها عدا الجادون المثابرون الذي يتحالفون مع أهل الدثور ومن ذا تصنع نهضة فكرية جديدة تحرر الأمة بحول الله سبحانه فلا يشفع للعدول يوم القيامة أنهم فقراء ولا أنهم محاربون مطاردون.

اللهم إجعلنا من العدول الرواحل الذين ينفون تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وإنتحال المبطلين. آمين

Posted on

الإمام الأوروبي: إمامة الناس عقد مسؤول

الإمام الأروبي: إمامة الناس عقد مسؤول

بقلم فضيلة الشيخ الهادي بريك

أخرج إبن ماجة وإبن حبّان وغيرهما عن إبن عباس أنه قال عليه الصلاة والسلام (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أمّ قوما وهم له كارهون وأخوان متصارمان وإمرأة باتت وزوجها عنها ساخط).

يتجه الخطاب الإسلامي من قرآن وسنة في الأعمّ الأغلب بمعنى الإمامة إلى الإمامة العامة وهي التي نسميها نحن اليوم بعرفنا الإمامة السياسية وهو أليق بالخطاب القرآني الذي يقصر تعاليمه في الأغلب على الكليات الكبرى التي تؤمّن للناس ثباتهم على الصراط المستقيم وإنما جاء الخلط من بعد إنفصال السلطان السياسي في أمتنا مبكرا عن السلطان الإجتماعي فأضحى الإمام فينا هو إمام الصلاة ولا سبيل لشروط الإمامة وقيمها التي وردت بها التعاليم الإسلامية على الإمامة السياسية أو الإمامة العامة في الناس.

يعلّمنا النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام أن الإمامة في الناس عقد مسؤول حتى إن الذي يؤمّ الناس كرها في صلاتهم كمن يحكمهم كرها في شأنهم العام بل إن إمامة الصلاة أولى بذلك التعاقد والحقيقة أن الإسلام إنما بنى نظامه كلّه على التعاقد ناهيك أن الإيمان والتوحيد عقد مسؤول بين الله سبحانه وبين عبده فلا يكرهه عليه وهل أصرح في ذلك من قوله في الآية المكية من سورة الكهف (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)؟ وعلى ذلك المنوال التعاقدي جرت تكاليف الدين ولفرط فقه الصحابة كانوا يسمون سورة المائدة سورة العقود ولك أن تفخر حتى تطأ الثريا بدين قوامه العقود بين الله وبين الناس وبين الناس بعضهم مع بعض ومن ذلك أن عقد الزواج يفسخ بلا قيد ولا شرط إذا أسّس على إكراه وعندما تجري الحياة في الإسلام على أساس العقود فإن الإنسان يضمن حريته وكرامته وحرمته.

إمام الصلاة طرف في عقد مسؤول بينه وبين من يؤمّ حتى إنه مهدد بإحباط عمله إذا إغتصب حقّ الناس فتسلط عليهم إماما بغير رضاهم ذلك أنه قدوتهم في أخلص عباداتهم ويتلو عليهم آيات الله سبحانه. ألم يقل عليه الصلاة والسلام أن العلماء ورثة الأنبياء؟ أليست وظيفة النبوة هي تلاوة الآيات (يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة )؟ أليس هو من يفتيهم في دينهم؟ أليس هو من يعتلي المنبر مرة كل أسبوع فيخطب فيهم ولا يحقّ لأيّ منهم أن ينبس ببنت شفة توقيرا لجلالة الموقف وهيبة الدين؟ هذا الموقع ما ينبغي أن ينتسب إليه عدا من شاع خلقه الطيب وريحه الذكيّ حتى إرتضاه الناس لهم إماما.

لا مكان للإكراه في هذا الدين في أي موضع من الحياة. ليت شعري إذا كان وليّ النعمة الأعظم سبحانه نأى بنفسه أن يكره عباده عليه هو وهو الحق المبين الذي ليس بعده إلا الضلال المبين فأنى لغيره أن يكره الناس على شيء؟ كلّ ذلك من جانب الإمام ذلك الطرف المسؤول في العقد. فما شأن الطرف الثاني أي المأموم؟ مسؤولية المأموم هي بذل النصيحة التي لقيمتها العظمى إختصر عليه الصلاة والسلام الدين كلّه فيها إذ قال (الدين النصيحة) ومن مواضع النصيحة هنا تصحيح الإمام إذا أخطأ قراءة أو عملا في الصلاة. ألم تنبر لتلك المهمة إمرأة في زمن الفاروق إذ إعترضت عليه وهو فوق المنبر يدعو إلى تيسير النكاح بالتخفيف من المهور؟ إنما يكتسب الإمام حصانته وهو فوق المنبر بشرط الإلتزام بمادة العقد فإذا خالفه فلا حصانة إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الإمامة عقد مسؤول بل هي وشائج حبّ قال فيها عليه الصلاة والسلام (خير أئمتكم الذين يحبونكم وتحبونهم ويصلون عليكم وتصلون عليهم) أي دعاء بالخير متبادل بين طرفي العقد المسؤول: الإمام والمأموم. دعنا نختم بمحاولة فحص الصورة العامة لهذا الحديث حتى نتبين الخيط الناظم بين هؤلاء الثلاثة الذين لا تقبل صلاتهم. ألا تجد بيسر أن الخيط الناظم بينهم هو الوفاء بالعقد المسؤول بينهم؟ فمن تنكب الوفاء بذلك العقد منهم فهو مهدد بإحباط العمل. لا بل بإحباط الصلاة خير العمل ومن حبطت صلاته حبط كل عمله بلا ريب. الإمام المغتصب للإمامة مخالف لتعاليم الإسلام وقوامها التراضي والتشاور والأخوان المتصارمان (وفي رواية العبد الآبق) ناشزان في وجه تلك التعاليم التي جاءت بخفض الجناح والتكافل والتعاون ومثل أولئك وهؤلاء المرأة التي تهدد الأسرة ـ حافظة الأمة الكبرى ـ بالتصدع.

هي جبهات ثلاث إمّا أن تشيّد على الرضى أو فلا رفعة لعبادة: الإمامة بكل معانيها وفي كل مواقعها والأسرة وإجتماع الناس.

والله أعلم

Posted on Leave a comment

مسلمو أوروبا وأزمة كورونا توجيهات شرعية – الشيخ كمال عمارة

يتحدث فضيلة الشيخ كمال عمارة – رئيس المجلس الأوروبي للأئمة – عن مسلمي أوروبا وتعاملهم مع جائحة كورونا، من خلال توجيهات شرعية تهم المسلم الأوروبي.

الشيخ كمال عمارة – يوتيوب