يوم الجمعة وأثره في حياة مسلمي الغرب

الشيخ طه عامر

الشيخ طه عامر

ليوم الجمعة فضائل كثيرة علينا أن ندرك مقاصدها ودورها المحوري في حياة المسلمين عامة وفي حياة مسلمي الغرب ومن يعيشون كأقلية مسلمة في أي مكان بالعالم خاصة.

   إننا نحرم أنفسنا من خيرات يوم الجمعة وأنواره حينما نظن أن فضل ذلك اليوم قاصر على صلاة الجمعة فقط، وإن وقعت صلاة الجمعة وخطبتها موقع التاج من الرأس والقلب من الجسد، غير أن اليوم من مشرقه إلى مغربه موضع رحمة الله وإحسانه وفيض عطائه إلى عباده.

وها هى بعض النصوص التي تؤكد على أهمية يوم الجمعة ومنزلته العظيمة وخصائصه.

عن أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام  رواه أبو داود

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا. رواه مسلم  

قال الإمام النووي:

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي. 

وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَة”.    رواه ابن ماجة

 ومن فضل هذا اليوم العظيم: ”صلاة الجمعة” وهي أفضل الصلوات:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا ​​الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) {9: الجمعة}

 و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ. رواه مسلم  

من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ” رواه الترمذي  

أهمية وأثر يوم الجمعة لمسلمي الغرب

ليوم الجمعة أهمية كبيرة في حياة المسلمين عامة والغرب خاصة، ومن ذلك:

 1- يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين في كل مكان حول العالم وعلينا أن نستحضر فضله ومقاصده ونفرح به.

 2- هو يوم تتجلى فيه الوحدة الإسلامية بين المسلمين، وما أشد حاجتنا لها.

 3-  إبراز مشهد الأخوة الإسلامية بين مسلمي الغرب حين يلتقى المسلم مع أخيه رغم  اختلاف لغاتهم ولهجاتهم.

 4-  إنه محطة لتطهير النفس والقلب مما عَلق بها من الذنوب والتعلق بالدنيا.

 5- فرصة كبيرة لتحقيق مبدأ التعارف والتواصل بين المسلمين الذي يثمر التعاون على البر والتقوى وعلى ما فيه مصالحهم الفردية والجماعية.

 6- تقوية أواصر المحبة وتعزيز الألفة بين المسلمين من خلال اللقاء الأسبوعي الجامع،

 واللقيا على طاعة الله أساس في ائتلاف القلوب واتصال الأروا.

 7-  إنه يوم يزيد فيه المؤمن إيماناً وقرباً من الله تعالى، فهو ميزان  أسبوعي لإيمان المسلم.

  وقد ذهب الإمام ابن القيم إلى أهمية  تفرغ المسلم فيه للتعبد.

 وإذا كانت حياتنا المعاصرة وبيئتنا لا تسمح بالتفرغ الكامل لهذا اليوم، فليس أقل من أن ينشغل المسلم بعض الوقت بتلاوة القرآن والدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتماس ساعة الإجابة في ذلك اليوم المبارك.

 8-  دفع الغفلة عن المسلم وحفظ قلبه من المرض، لذلك جاء تحذير شديد من التهاون في صلاة الجمعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين” رواه مسلم.

وقد أورد الإمام المحقق ابن القيم في كتابه” زاد المعاد” عشرين فضيلة ليوم الجمعة، فقال: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء: هل هو أفضل أم يوم عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي.

 9-   حاجة مسلمي الغرب خاصة إلى تعزيز الجانب الروحي نظراً لأنَّ يوم الجمعة ليس يوم  عطلة، وكثير من المسلمين لا يتمكنون من أداء صلاة الجمعة بسبب الدراسة أو العمل.

  10-  ضغط المادة والغفلة جعل بعض المسلمين لا يعطي لصلاة الجمعة  الأولوية المهمة في حياته وحياة أولاده.

 وعلى الجانب الآخر نرى بعض المسلمين يبذلون ويضحون حتى يؤدوا صلاة الجمعة، وقدر عرفنا كثيراً منهم  يحرصون على التفاهم مع صاحب العمل عند توقيع  العقد على وقت يتمكنون  فيه  للذهاب للمسجد لأداء الصلاة.

آداب صلاة الجمعة 

شرع الإسلام ليوم وصلاة الجمعة آداباً وسنناً كثيرة، وبقدر تعظيم تلك الشعائر بقدر ما ينتفع القلب وتشرق الروح بأثر العبادة، منها:

 1-  التبكير لصلاة الجمعة، وقد ورد في التبكير أحاديث كثيرة، ومقصد التبكير هو تهيئة القلب  لتلَقى أنوار يوم الجمعة وحسن الاستماع للخطبة والانشغال بالذكر وتلاوة القرآن الكريم.

وإذا كانت ظروف المسلمين في الغرب لا تسمح لهم كثيراً بالتبكير للصلاة فعلينا بذل الجهد وحشد النية واستحضار عظمة ذلك اليوم، وما لا يُدرك كله لا يُترك كله.

 2-  الاغتسال والتطيب ولبس أفضل الثياب.

 وقد اختلف العلماء في غسل الجمعة فحُكى وجوبه عن بعض السلف وذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أنه سنة مستحبة، غير أنَّ كثيراً من النصوص النبوية تُرغب فيه وتدعو إليه، وعلى المسلم أن يحافظ عليه تعظيماً لشعائر الله تعالى وأخذاً بالسنة الشريفة.

وعلى الأسرة المسلمة أن تربى أبناءها على تلك الآداب لترسخ في قلوبهم مكانة اليوم وأهميته ويَعْظم في نفوسهم قدره.

 3- كثرة الصلاة  على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن بديع ما قاله الإمام ابن القيم في تخصيص يوم الجمعة بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهى أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده جمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل لهم يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم يوم الجمعة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته..” 

 4-  الإنصات لخطبة الجمعة وترك الانشغال بأي شيء يضيع عليه ثواب الجمعة، ويا للعجب حينما نجد بعض المسلمين لا يصبرون نصف ساعة، فترى بعضهم يخرج هاتفه ويعبث به، أو يرد على متصل  .

 5- يستحب قراءة سورة الكهف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين” رواه الحاكم.

كيف يحافظ أولادنا على صلاة الجمعة؟

نريد أن ينشأ أولادنا في الغرب على التعلق بيوم الجمعة وفضله وتعظيم شعائره، أشير إلى بعض الوسائل منها:

 1- أن يكون الوالد قدوة في الحرص على صلاة الجمعة وتعظيم هذا اليوم ولا يترك صلاة الجمعة إلا لعذر معتبر.

 2- انتظام المرأة في صلاة الجمعة –  وإن  لم يوجب الشرع عليها –  له أهميته وأثره في نشأة الأولاد على تعظيم ذلك اليوم في نفوسهم، فضلا عن أنَّ المسلمة صاحبة التأثير الأكبر في التربية، والحكمة التي تكتسبها من المسجد تعود على أولادها بالخير والنفع العظيم .

 3-  أن تمتزج  المتعة والفرحة بيوم الجمعة في البيت والمساجد، نريد أن نصنع حالة من السعادة المتصلة بهذا اليوم المجيد.

وقد سألت عدداً من الشباب الذين تعلقت قلوبهم بالمسجد وبصلاة الجمعة، عن سر حرصهم فأجابوا قائلين: كان والدنا يأخذنا إلى يوم الجمعة يوم كنا صغاراً وكأننا في نزهة فارتبط ذلك اليوم في نفوسنا بالبهجة والسعادة.

 4- العناية بترجمة الخطبة بطريقة احترافية ليُفيد أولادنا منها.

 5- على المساجد والمؤسسات العلمائية الاهتمام بتكوين دعاة وأئمة من الأجيال الجديدة  ليقوموا بخطبة الجمعة باللغات الأوروبية.

مشكلة أداء صلاة الجمعة في وقت الشتاء بالغرب

يقصر النهار جداً في فصل الشتاء بأوروبا خاصة كلما اتجهنا شمالاً، ولا يجد كثير من أولادنا فرصة لشهود الجمعة لأشهر عديدة، فهل من حلول متاحة لتمكين أبناء المسلمين من صلاة الجمعة؟

يمكن أن يفيد المسلمين في الغرب من رخصة المذهب المالكي الذي يرى أن وقت الجمعة مشترك مع وقت العصر  وذلك إذا اشتدت الحاجة لذلك ووجدنا أن الرأي ُيمَكن أجيال المسلمين من الانتظام  في صلاة الجمعة والمحافظة على تلك الشعيرة، على أن يتفق أهل الرأي والنظر، وقد أفتى شيخنا العلامة الإمام القرضاوي –  رحمه الله وطيَّب ثراه – للمسلمين في الغرب في كتابه {في فقه الأقليات المسلمة }  بتقليد المذهب الحنبلي والمالكي فأما الحنابلة فقد وسعوا وقتها من الأول والبداية فجعل بعضهم وقتها وقت صلاة العيد إلى أن ينتهي وقت صلاة الظهر،  وأما المالكية، فقد وسعوا في وقت الجمعة من جهة الآخر والنهاية، فقد أجاز بعضهم أن يستمر وقتها إلى الغروب أو ما قبل الغروب بقليل، فقال ابن القاسم: ما تغب الشمس، ولو كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب.

وعند سحنون: قبل الغروب بقدر الخطبة والجمعة وجملة العصر، وبعضهم قال: إلى اصفرار الشمس..”  وللاستزادة يمكن الرجوع للفتوى.

وعلى ضوء هذا يمكننا الاستفادة من هذه الرخصة في المذهبين الحنبلي والمالكي، إذا ضاقت الأوقات أو كانت ظروف المسلمين تقتضي ذلك في بعض البلدان أو المساجد وذلك تحقيقا للمصلحة الدينية وتمكيناً للمسلمين والأجيال الجديدة من المحافظة على تلك الشعيرة العظيمة.

وإذا لم يتمكن أولادنا من أداء صلاة الجمعة في فترة الشتاء حيث يضيق الوقت فمن الواجب على المساجد أن تبادر بإقامة دروس ولقاءات إيمانية تربوية في ذلك اليوم ليبقى اتصالهم ببيت الله تعالى في هذا اليوم العظيم.

 طه سليمان عامر

رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا