وما أعجلك عن قومك يا موسى؟

يقول الله تبارك وتعالى {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى [83] قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]

يقول الدكتور عبد العظيم ابراهيم المطعني صاحب التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم في هذه الآية “وكأن الله يريد أن ينبّه موسى إلى الالتزام بما يرسمه الله من منهاج، ومنها تحديد موعد اللقاء الذي سبقه موسى، وأنه كان ينبغي أن يكون بين قومه حتى لا يستخفوا بهارون ويسيئوا معاملته”.

وهي صورة تبيّن لنا أن الغايات الصادقة، بما في ذلك ظنّنا بأنها مزيد قرب من الله، لا تبرّر لنا تجاوز أو خرق المنهاج المرسوم. فهي عجلة ملبّسة بالحق، والنيّة الصادقة، وأنّ مآلاتها لا تكون سليمة كما نظن ونتوقّع. فما يغيب عنّا أكثر مما كُشف لنا، وكل عجلة ستتجاوز بعض الحقائق، وتخرق منهج الفهم القويم للتغيير.

ورحم الله صاحب (في ظلال القرآن) الذي قال في هذه الآية “ولكن الاستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها، والوفاء بالعهد والثبات عليه، وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد المريح.. فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختبار. ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم النفسي”.

فالمطلوب ليس الانتصار السريع أو استسلام القوم وخضوعهم لما يقوله موسى عليه السلام، بل المطلوب هو تحريرهم وإعادة بنائهم النفسي، حتى تقف سلسلة تراجعهم عن الإيمان والركون إلى الاستعباد الذي تفرضه عليهم الفرعونية.

فالتغيير لا يستقيم حتى يبلغ إعادة البناء النفسي للإنسان المقهور والمهدور مبلغه، ويتحرّر من مكبّلات سياسات القهر والهدر، وتُعاد الثقة بالنفس وإعادة امتلاك حق الحياة بحرية. فالقابلية للاستعباد هي من آثار طول مراحل الاستبداد والظلم. ولا مجال أكثر أثرا في إعادة البناء النفسي مثل مجالي التربية والتعليم، ومن لا ينتبه إليهما لن يحصد إلا الوهم والنّصب.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة