ملامح من شخصية النبي الكريم وحاجة البشرية اليوم لرسالته

ملامح من شخصية النبي الكريم وحاجة البشرية اليوم لرسالته

بمناسبة شهر مولده صلى الله عليه وسلم

مقدمة

إن محمدا صلى الله عليه وسلم منبع العظمة الإنسانية، ومستقر الكمالات النفسية، ومستودع الفضائل الخلقية، وينبوع الإشراقات الروحية، الذي اجتمعت فيه عناصر النجاح في كل ما يتعلق بصلاح الدنيا والآخرة.

من أين يبدأ الإنسان الكلام عن هذا النبي الجليل وعن أي جانب يتحدث؟

يتحدث عن النبي الإنسان، أم عن النبي الرسول، أم عن النبي المعلم، أم عن النبي الأخلاقي، أم عن النبي العابد، أم عن النبي المجاهد، أم عن النبي القائد، أم عن النبي الزوج، أم عن النبي الأب والجد، أم عن النبي القدوة، أم عن النبي الدعوة، أم عن النبي الرحمة، أم، أم …  .  

إن التابع الصادق للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليحار إلى حد الدهشة من شدة الحب والإعجاب والإعزاز إذا طلب منه الحديث عن رحمة العالمين، كما كان يحدث لمالك رحمه الله.

رهبة نفسية عند الحديث عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم

 كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوماً في ذلك، فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر، وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبداً إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصف، وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة.

كيف أحدث النبي نقلة كبيرة في حياة البشرية

أيها الإخوة والأخوات: لقد كان مطلوبا من رسول الله أن يخرج العالم كله من الظلمات إلى النور، وأن يغير البشرية من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن، وليس معه إلا هذا الكتاب، إلا هذا القرآن الكريم فاستطاع أن ينقل البشرية نقلة كبرى في جميع المجالات، وفي كافة شؤون الحياة، ومن أراد التأكد فأمامه مثال واحد، فليراجع حال المرأة قبله وبعده صلى الله عليه وسلم.

المرأة قبله لا حقوق لها لا عند العرب، ولا في العالم كله، بل وجدنا بعض القبائل تئد بعض بناتها حية وهي صغيرة، ولا تستشيرها في أمور نفسها وهي كبيرة، ويعبر عن شيء من ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري عنه: كنا لا نعد النساء في الجاهلية شيئا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم.

فلم تمض إلا سنوات قلائل بعد بعثته عليه الصلاة والسلام حتى يحدث مثل ذلك الحدث: «جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ .فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا .فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. رواه ابن ماجه وهو صحيح على شرط مسلم».

سياسة حكيمة وتعاليم عظيمة تجمع بين النجاح في الدنيا والآخرة

إنه النبي الذي نجح في تأمين دنيا أصحابه وأمته، ودين أصحابه وأمته، وآخرة أصحابه وأمته، وذلك بسياسته الحكيمة وتعاليمه الباقية.

مثال من تأمين دنيا أمته: سياسة الإخاء بين المهاجرين والأنصار، ثم كان لا يشبع حتى يشبع أصحابه ولا يستريح حتى يستريحوا، ولقد خبز الخبز بنفسه لأصحابه كما حدث في الخندق.

أما عن تأمين دين أصحابه وأمته فكان معلما ومربيا وقدوة عليا، وأما عن آخرة أمته فلا يسأل ربه يوم القيامة إلا نجاة أمته.

ملامح من أخلاقه الكاملة وشخصيته الجميلة

نبي متواضع

 يخدم ضيف أصحابه لما حضره وفد الحبشة، كما رواها ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”: قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم “إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن أكافئهم”.

– نبي يسأل من أحب الناس إليك فيقول: عائشة.  فهذا قوله في حق زوجته.

– نبي يقول في حق أصحابه: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رواه أحمد في مسنده.

– نبي يقول في حقنا مشتاقا لنا: وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ ؟ ، قَالَ : ” بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ “

– نبي يقول في حق أعدائه وقد أذوه حتى أدموه وملك الجبال يستشيره في أن يطبق عليهم الجبال فيقول له: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا. رواه مسلم.

– نبي يحث أمته على العمل والإنتاج وترك اليأس والكسل لآخر لحطة فيقول: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا».

ماذا عسى المرء أن يقول عن رسول الله!!!!!!

حاجة البشراليوم إلى رسالته صلى الله عليه وسلم

أيها المسلمون والمسلمات: هل العالم اليوم بحاجة لرسالته صلى الله عليه وسلم؟

 والجواب نعم وألف نعم.

إن العالم اليوم إلا من رحم الله يتخبط في عقائده وتصوراته فما أحوجه إلى التوحيد والتصحيح الذي به محمد بن عبد الله.

العالم اليوم يعتدي بعضه على بعض وتستعر فيه الحروب، وتتفاقم فيه الأزمات والمشكلات، ونسي الإنسان حق أخيه الإنسان فما أحوجه إلى الإخاء الذي جاء به محمد.

العالم اليوم إلا من رحم الله أصبح لاهيا مهموما بدنياه منشعلا بها عن أخراه يكاد يعبدها من دون الله فما أحوج الإنسانية اليوم إلى عبادة الله التي دعا إليها محمد.

لقد جاء الرحمة المهداه للعالم فدعاه لمعرفة الله وعبادته، ودعاه للأخوة الإنسانية، ودعاه للحرية الحقة، فحرره من العبودية لغير الله، وحرره من الخرافة، وحرره من الظلم، وحرره من الجهل، وحثه على العلم والتعلم وتحقيق الخلافة الراشدة لله في الأرض.

لقد جاء محمد بن عبد الله فأرسى قواعد التسامح والعيش المشترك بين كافة الشعوب على اختلاف الأعراق والأديان، وعلى الجملة فقد جاء بالرحمة الشاملة كم أخبر عنه ربه «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

خاتمة

إحياء ذكرى مولده بتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم لنسير على نهجه

أيها الإخوة والأخوات: ونحن نعيش في زمان ومكان فيه جفاف روحي، وفيه قسوة مادية، وتراجع عاطفة فينا وفي الأجيال نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحسن بنا بل يجب علينا أن نراجع سيرة رسول الله وسنته الشريفة، وحياته العريضة، وأن تنشط المساجد، وأن نقيم الندوات والملتقيات حول شخصية رسول الله والتعريف به، وأن نوثق به الارتباط، وأن نجدد له العهد والحب.

ولنجعل من شهرربيع الأول بل والآخر ربيعا في التعريف برسول الله، وتجديد الولاء له، ومدارسة هديه وسنته.

وخيرالكتب القديمة في مدارسة شخصية رسول الله من وجهة نظري: الشفا بتعريف حقوق المصطفي للقاضي عياض، وزاد المعاد في هدي خير العباد/ وفي الحديث: (الرسول) لسعيد حوى، وشخصية الرسول دراسة تحليلية لمحمد رواس قلعهجي. والحمد لله رب العالمين.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة