مفهوم العمل الصالح في الإسلام

إدارة الإعلام

إدارة الإعلام

العمل الصالح قرين الإيمان وركن من أركانه، وشاهد على استقراره في القلب، بل هو أهم ثمرات الإيمان. ومن هنا جاءت المقولة المشهورة: “ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الأعمال”، ذلك أن العمل في الظاهر يمثل حقيقة الإيمان، بل يعد ثمرة الإيمان في الواقع.

إن كثيرًا من المسلمين وهم يتناولون مفهوم العمل الصالح يظنون أنه محصور في صلاة يصلونها، أو صيام يصومونه، أو غير ذلك من الشعائر التعبدية، مع إهمال ما دون ذلك من الأعمال الصالحة التي تنفع الناس، وتكسب صاحبها أجرا عظيما عند الله. ولا شك أن الأعمال المذكورة من الأعمال الجليلة التي يتقرب العبد بها إلى الله؛ ولكن العمل الصالح يشمل جوانب أخرى أكدت عليها نصوص الكتاب والسنة.  

ولقد علمنا صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح لا يقتصر على الشعائر التعبدية، بل يشمل أعمالا كثيرة حث عليها الإسلام ورغب فيها، وبين فضائلها والأجور المترتبة على فعها.

والمسلمون اليوم في أمس الحاجة لمعرفة المفهوم الصحيح للعبادة التي خلق الإنسان من أجلها، وإلى فقه صحيح لمعاني العمل الصالح مع احترام سلم الأولويات وواجب الأوقات.

اهتم الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله بتصحيح عدد من المفاهيم المغلوطة التي تحجب العقل المسلم عن فهم حقيقة الإسلام كما ينبغي، وعن التفاعل مع الكون والحياة كما يجب، ومنها مفهوم (العمل الصالح)، وما يرتبط به من إطار أوسع هو تصحيح النظر لمفهوم (العبادة). فيقول رحمه الله: (عندما ننظر إلى العبادات السماوية نجد أداءها في اليوم والليلة لا يستغرق نصف ساعة، وتجد تعاليمها تستغرق صفحة أو صفحتين، ويبقى الزمان بعد ذلك واسعًا والمجال رحبًا لفهم الحياة واكتشاف طاقاتها، وتسخيرها كلاًّ وجزءاً لخدمة الدين. وكل جهد يبذل في ذلك يُسمَّى شرعًا: عملاً صالحًا، وجهادًا مبرورًا، وضميمة إلى الإيمان تؤهل المرء لرضوان الله). {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (الأنبياء: 94).

وبقول رحمه الله: (ومن المستحيل إقامة مجتمع ناجح الرسالة إذا كان أصحابه جهالاً بالدنيا عجزة في الحياة. والصالحات المطلوبة تصنعها فأس الفلاح، وإبرة الخياط، وقلم الكاتب، ومشرط الطبيب، وقارورة الصيدلي، ويصنعها الغواص في بحره، والطيار في جوه، والباحث في معمله، والمحاسب في دفتره، يصنعها المسلم صاحب الرسالة وهو يباشر كل شيء، ويجعل منه أداة لنصرة ربه وإعلاء كلمته. وإنه لفشل دفعنا ثمنه باهظًا عندما خبنا في ميادين الحياة، وحسبنا أن مثوبة الله في كلمات تقال ومظاهر تقام).

وحينما نرجع لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم نجد فيها الكثير من التوجيهات النبوية التي ترشدنا إلى أعمال صالحة قد نغفل عنها، رغم أهميتها وعظيم فضبها وأجرها عند الله.

لما سئل نبينا عن أحب الناس إلى الله وأحبِّ الأعمال إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخلُه على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا ـ أي: المسجد النبوي الذي الصلاة فيه بألف صلاة ـ، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظمَ غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزولُ الأقدام))

 وخيرُ عبادِ الله أنفعهم لهم   رواه من الأصحاب كلُّ فقيه

وإن إله العرش جلّ جلالُه   يُعينُ الفتى ما دامَ عون أخيـه

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: « من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه ».

الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وفي خدمة الناس بركةٌ في الوقت والعمل، وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة))، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (منْ أَرادَ أَنْ تُسْتَجابَ دَعْوَتُهُ وأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ). وقال عليه الصلاة والسلام: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)) رواه ابن حبان. وعن أبي اليسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يظله الله في ظله فلينظر معسراً أو ليضع له”. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أعان عبداً في حاجته ثبت الله له مقامه يوم تزول الأقدام”.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: “إن لله عباداً يستريح الناس إليهم في قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم أولئك الآمنون من عذاب يوم القيامة”. يقول الله عز وجل: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا).

ومن معاني الخيرية والصلاح الواردة في نصوص السنة النبوية ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره).

إن كل ما يقدمه العبد من خدمة للخلق تقربا للخالق، وما يبذله من جهد في خدمة دينه وأمته، بل وما يقدمه من عمل صالح خدمة للإنسانية، كل ذلك يشمله المفهوم الصحيح للعمل الصالح، الذي يقرب العبد من ربه، وينال به الأجر والرضوان.

بقلم: الشيخ/ عبد المجيد نوار التلمساني