مختارات نبوية | حلول نبوية لمشكلة اجتماعية

د. خالد حنفي

د. خالد حنفي

الحديث السادس: حلول نبوية لمشكلة اجتماعية

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ نَرَ – يُرَ – لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ» ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح.

المعنى العام للحديث

رُوي هذا الحديث بثلاث صيغ: لم نر، لم ير، لم تر، فالأولى: لم نر: أي نحن، والثانية: لم يُر أي العقلاء، والثالثة لم تر: أيها السامع، والحديث يؤسس لكيفية التعامل مع حالات الحب والعشق بين رجل وامرأة قبل الزواج وكثيرا ما لا يكون هناك توافق أو تكافؤ بين المتحابين أو يكون العشق بينهما خارج عن الأطر المتعارف عليها مجتمعياً، كأن يكون فارق السن بينهما كبيراً، أو المستوى التعليمي أو المالي، أو شاب صغير السن يحب مطلقة أو أرملة، أو مسلم يتعلق قلبه بكتابية غير مسلمة وغير ذلك من الصور التي يغلب على الظن عدم نجاح الزواج فيها، وهو ما يؤيده سبب ورود الحديث فعن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، في حجري يتيمة وقد خطبها رجل موسر، ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس للمتحابين مثل النكاح “.

فالحديث يرشد الأولياء والمجتمع إلى التعامل الأمثل مع هذه الحالات التي تعتبر حالة مرضية بأن الزواج والتعجيل به هو الحل الذي يحميهما من الوقوع في الفاحشة المحرمة. فالحديث لا يؤسس للحب قبل الزواج وإنما يرشد لكيفية التعامل معه إذا وقع وتلك أمور اجتماعية وقلبية ونفسية واردة الحدوث في أي مجتمع، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يدعو الأولياء إلى عدم التفريق بين المتحابين بمنعهم من الزواج، أو حملهم على الوقوع في المحرمات، أو الزواج بعيدا عن المحيط الاجتماعي للأسرة، فالزواج للمتحابين خير علاج ووقاية وحماية وتقليل للمخاطر والأضرار التي يمكن أن تقع إذا منع المتحابان من النكاح. 

وهذا المنهج النبوي مهم جدا للمسلمين في الغرب حيث يقع كثيرا أن تتعلق فتاة مسلمة بشخص لا يتوافق مع تفكير عائلتها وقد يكونوا على حق في عدم مناسبته لها، لكنها تصر على الارتباط به ويصر الأهل على الرفض مخالفين بذلك هذا الحديث النبوي الشريف فينتهي الأمر بهم إما إلى إكراهها على الزواج بغيره فلا تنجح الأسرة، أو تنتهي إلى رفض فكرة الزواج بالكلية، أو تترك البيت وتتزوج بعيدا عن أهلها، أو تقع فيما حرم الله، وما يجري على الفتيات يجري على الشباب وربما أكثر.

 والمنهج النبوي هنا يقتضي المسارعة إلى تزويجهما مع الاستمرار في التوجيه والرعاية، ومن المعاني التي أشار إليها بعض العلماء استنباطا من هذا الحديث: أن الزواج يثمر وينمي الحب وإن لم يكن هذا الحب موجوداً قبل الزواج. 

رسائل الحديث: 

  1. الإسلام راعي الحاجات البشرية والميول القلبية للناس وتعامل معها بعملية وواقعية لا بمثالية وهمية. 
  2. حركة المسلم تنضبط بضوابط الشرع، والشرع يفتح الطريق واسعا للحلال الطيب قبل أن يمنع الحرام الضار. 
  3. الأصل أن يختار الشاب والفتاة عند الزواج من يتوافق معه ويغلب على ظنه حسب صفاته أنه سيُكِّون معه أسرة مستدامة ناجحة، وأن الزواج المبني على التقارب والتكافؤ سيثمر الحب والمودة الدائمة. 
  4. التوجيه بتزويج المتحابين لا يعني الدعوة إلى الحب قبل الزواج، وإنما الإرشاد إلى تقليل الضرر في التعامل مع حالات العشق بين شخصين غير متكافئين بتزويجهما. 
  5. الأسرة المسلمة في الغرب أهم كيان يجب صيانته وحمايته بتحمل كل الأطراف المسؤولية عنه. 
  6. قبل دعوة الأولياء إلى الالتزام بالمنهج النبوي في تزويج المتحابين لابد من دعوة الأبناء والشباب المسلم في الغرب إلى البر بآبائهم وعدم عقوقهم وإدارة الخلافات الأسرية بالحوار والتعاون والموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت. 

الحديث السابع: الزنا يذهب بالإيمان

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ» سنن أبي داود (4/ 222) بسند صحيح. 

المعنى العام للحديث 

حرم الإسلام الزنا وعده من أكبر الكبائر والفواحش؛ لأنه يضر بكلية حفظ النسل أو النسب والعرض كما يعود على مقصد الاستخلاف وتعمير الأرض بالإبطال، وأوجب عقوبة حدية دنيوية على فاعله، وكثيرا ما يقف الناس عند العقوبة الحسية ويغفلون عن العقوبة الأخطر منها وهي العقوبة المعنوية القلبية التي يشرحها هذا الحديث وهي خروج الإيمان بالوقوع في الزنا وهي عقوبة أشد خطرا من العقوبة الحسية الحدية فماذا يبقى للإنسان بعد خروج نور الإيمان من قلبه، أو نفي الإيمان أصلا عنه كما في الحديث الآخر: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، قال أبو سعيد: قلت وكيف يكون يا رسول الله؟ قال: “يخرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه” مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (3/ 1190). 

وتفسيرات العلماء لنفي الإيمان عن الزاني أو خروجه منه مخيفة مرعبة فمنهم من قال: المراد نفي كمال الإيمان؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: “منْ قَالَ لا إله إلا الله، دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق”، وقيل أنه بمعصيته يكون منافقا نفاق معصية، وقيل: أي ليس بمستحضر فِي حالة تلبسه بالكبيرة جلال منْ آمن به، فهو كناية عن الغفلة، التي جلبتها له غلبة الشهوة، وقيل: عدم الأمان منْ عذاب الله، وقيل: يُسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه، قَالَ عكرمة: قلت لابن عباس: كيف يُنزع منه الإيمان؟ قَالَ: هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإذا تاب عاد إليه، هكذا. ثم شبك بين أصابعه، وقيل: يخرج منه نور الإيمان، وقيل: يخرج منه الحياء أي أنه وقت الزنا لا يستحي منْ الله؛ لأنه لو استحى منه، وهو يَعرف أنه مشاهد حاله، لم يرتكب الفاحشة، ولو أن العبد تذكر واحدة من هذه المعاني واستحضرها لما أقدم على الفاحشة المحرمها فأنى لعبد أن لا يستحي من مولاه، أو أن يكون منافقا بالمعصية، أو أن يطفئ نور الإيمان في قلبه فتظلم دنياه وآخرته. 

ومعنى كان عليه كالظلة أي: السحابة شبه الإيمان بالسحابة لسرعة حركتها ذهابا وعودة، وما يترتب عليه من نزول المطر والخير والشمس أو منعه، فذهاب نور الإيمان بالزنا يكون سريعا كالسحابة وعودته بالتوبة والإقلاع كذلك.

رسائل الحديث

  1. الزنا من أكبر الكبائر وأعظم الفواحش وعقوبته المعنوية في الدنيا أعظم من عقوبته الحسية. 
  2. انطفاء نور الإيمان في القلب بالزنا أخطر عقوبة لصاحبها فمن أظلم قلبه أظلمت حياته وحرم التوفيق للطاعة وكان أقرب إلى الفواحش والمعاصي الأخرى. 
  3. من رحمة الله بعباده المؤمنين أن فتح لهم باب التوبة والرحمة فمن تاب من الزنا عاد نور الإيمان إلى قلبه.
  4. على المسلم الأوروبي أن يتجنب المسالك الموصلة للزنا وأن يحفظ إيمانه بحسن صلته بربه، وبصحبة صالحة تذكره بالله، وأن يعجل الإحصان والتعفف. 
  5.  يجب أن يكون الخوف على كمال الإيمان بتجنب فاحشة الزنا أعظم من الخوف من العقوبة الحدية الدنيوية التي إن وقعت سيزول ألمها بعد حين ويبقى ألم القلب لا يزول إلا بتوبة صادقة للمولى الجليل. 

بقلم الدكتور: خالد حنفي.