مختارات نبوية | حرمة دم ومال المعاهد غير المسلم

د. خالد حنفي

د. خالد حنفي

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا” البخاري. 

المعنى العام للحديث 

المعاهد هو هو غير المسلم إذا دخل دار الإسلام بأمان أو عهد أو هدنة إذا كانت هناك حرب، ويحرم على المسلم بهذا العهد أن يتعرض لغير المسلم بأي لون من ألوان الأذى فضلا عن قتله أو أخذ ماله، فإن فعل شيئا من ذلك فحرام عليه أن يشم رائحة الجنة فضلا عن أن يدخلها، وأوضح وأصرح من هذا الحديث ما روي عن عَمْرُو بْنِ الْحَمِقِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَمِنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» أبو داود. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلن براءته من مسلم يقتل كافراً بعد أن أعطاه الأمان على نفسه. والحكم ينطبق بصورة أشد على المسلمين في أوروبا وعلى كل مسلم دخل أوروبا بتأشيرة مؤقتة للسياحة أو العلاج أو الدراسة أو غير ذلك، أو تأشيرة دائمة، والمسلمون المتجنسون أولى أيضا بهذا الحكم والتشديد عليهم فيه، فكل مسلم يقيم في أوربا دخلها بعقد وعهد بينه وبين الدولة بموجب التأشيرة التي مُنحها يجب عليه أن يلتزم بقوانينها وأن يحترم نظامها وأن يؤمن أهلها وأن لا يتعرض لهم بأذى أو قتل، بل يتعين على المسلمين كمواطنين أوربيين الدفاع عن أوطانهم الأوروبية أمام أى اعتداء يقع عليها أو على أهلها، وهذا الحديث يبطل ويجرم عمليات القتل والدهس التي وقعت في أوروبا ونسبها البعض زوراً للإسلام، ففاعلها ناقض للعهد لا يجد ريح الجنة ولا يدخلها. وكذلك ما يردده البعض من استحلال لأموال غير المسلمين وسرقتها، وكل صور أخذ مال من الدولة دون حق للمسلم فيه بالغش أو الكذب أو التدليس أو ادعاء غير الحقيقة كل ذلك حرامٌ شرعاً على المسلم أن يقع فيه. 

وقد أمرنا الله عزو وجل بالوفاء بالعهود والمواثيق بيننا وبين المسلمين وغير المسلمين فقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ومن صفات أولي الألباب أنهم يوفون بالعهود قال تعالى: {أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد: 19، 20] وتوعد الله ناقض العهد بقوله: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25]

ومما يؤسف له أن بعض المسلمين يريد نقض العهد بينه وبين غير المسلمين بحجة أن أوروبا تشارك بجيوشها وأموالها في قتال المسلمين في مناطق متفرقة من العالم، أو باستدعاء أحداث تاريخية سبقت كاحتلال فرنسا للجزائر وقتلها من المسلمين في الجزائر ما قتلت واعتبار ذلك مسوغاً يبيح الاعتداء على الفرنسيين اليوم، وهذا الفهم منقوض ومرفوض بهذا الحديث وبقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فما ذنب الأنفس البريئة المطمئنة اليوم لنحملها أوزار أمم سبقت بالترويع أو التهديد أو القتل؟ 

رسائل الحديث

  1. خطر الدماء وصيانة الأنفس والعهود في الإسلام دون تفريق بين مسلم وغير مسلم ما لم يكن محارباً، ومن خطرها أن المستهين بها لا يشم ريح الجنة.
  2. دماء وأموال وأعراض غير المسلمين في الغرب مصونة بموجب العهد المتمثل في تأشيرة دخول البلاد أو التجنس بجنسيتها، والمعتدي عليهم لا يدخل الجنة ولا يشم ريحها بمنطوق الحديث النبوي الصحيح. 
  3. الوفاء بالعهد مع غير المسلمين واجب ونقضه حرام وصورته في أوروبا، أن المسلم الأوروبي أعطى الدولة عهدا بالتزام قوانينها وتأمين أهلها فلا يجوز له نقض عهده تحت أي ذريعة. 
  4. تأمين أوروبا وأهلها والدفاع عنها ضد أي عدوان واجب على كل مسلم اتخذها وطنا له ينعم بأمنها وخيرها. 
  5. تبرير العنف في الغرب بأحداث تاريخية سبقت لا يصح عقلا ولا شرعا ويتعارض مع المبدأ القرآني: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]
  6. وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالمعاهدين والمستأمنين وحرصه على تأمينهم وعدم إخافتهم يدل على كمال رأفته ورحمته بالخلق مسلمهم وكافرهم؛ لعموم رحمته وعالمية رسالته قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]

بقلم الدكتور: خالد حنفي.