مالك بن نبي منظر النهوض الحضاري

إدارة الإعلام

إدارة الإعلام

‎ للكاتب كمال العياشي

عضو إدارة الاتحاد المنظمات الإسلامية في إيطاليا

مولده و نشأته:

ولد المفكر الإسلامي مالك بن نبي بمدينة (تبسة) التابعة آنذاك لمحافظة (قسنطينة) شمال شرق الجزائر في شهر يناير من سنة 1905 لأسرة متواضعة الحال، حيث كان والده عمر يشغل وظيفة بسيطة في إحدى إدارات مدينة (تبسة) بينما كانت والدته زهيرة ربة بيت تعمل في الحياكة ولكن الأسرة كانت عميقة التدين، عزيزة النفس.

ولقد كان لأحاديث جدته عن جرائم الاستعمار الفرنسي بحق الشعب الجزائري وأهمية الاعتزاز بعقيدة التوحيد ودين الإسلام ناهيك عن غرس حب اللغة العربية في نفسه الأثر البالغ في تشكيل وعيه وشخصيته.

كما كانت صلة عائلته بالحركات الإصلاحية والطرق الصوفية آنذاك دافعاً له للاهتمام بقضايا الإصلاح والتجديد والنهضة الحضارية.

ثم كان حرص والدته على تعليمه القرآن الكريم – حتى أنها رهنت سريرها ذات مرة لدفع أجرة معلمه- سبباً إضافيا عمق في مالك بن نبي حب القرآن وحمل راية الدفاع عنه ضد المستشرقين فكان كتابه الرائع الظاهرة القرآنية.

وجمع مالك بن نبي بين الدراسة في الكتاب و المدارس الفرنسية بالجزائر، ثم تخرج من معهد سيدي الجليس الإسلامي ليواصل دراسته العليا بفرنسا لاحقاً.

وقد تلازمت هذه الثنائية الثقافية بين الحضارتين الإسلامية والغربية في التكوين الفكري لمالك، وكانت لها انعكاساتها الواضحة في كتاباته بعد ذلك حيث تميز بالموازنة بين المصدرين، بين الانتماء لحضارة الإسلام والرغبة في النهضة والتطور.

وكان لمالك شغف كبير بالقراءة حيث كان شديد الحرص على تطوير معارفه بشكل لا يضاهى، وصارت المطالعة من أهم مصادر المعرفة لديه.

الرحلة إلى باريس

سافر مالك إلى باريس للمرة الأولى وهو ابن العشرين، ثم عاد إلى الجزائر بعدما عانى البطالة هناك ثم قرر أن يعود مجدداً إلى فرنسا ليواصل دراسته فوصل إلى باريس في جمادى/سبتمبر 1930.

وكان لتلك الفترة الأثر البالغ على فكره و شخصيته، فقد عاش تطورات مختلفة من التجارب كان قوامها المشترك التحصيل العلمي المتعدد المجالات مع بعض الإسهامات في أنشطة علمية وثقافية.

ورغم حرصه على دراسة الحقوق إلا أن طلبه رفض في الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، فاتجه إلى الدراسة العلمية فتعلم منها الضبط و المنهج التجريبي الاستقرائي في التفكير.

وخاض مالك في باريس نقاشات متعددة في العقائد مع المسيحيين، و تزوج عام 1931 من امرأة فرنسية اسلمت على يديه.

وساهمت زوجته في تنمية ذوقه وحسه الجمالي، وتمكن من توسيع دائرة علاقاته الفكرية والثقافية في باريس، فكانت له فرصة اللقاء بشكيب أرسلان وغاندي.

كما كان له حضور متميز في أوساط المغاربة، والجزائريين حتى لقب بزعيم الوحدة المغاربية، كما استطاع أن يقيم جزيلاً من التواصل و التعارف مع أبناء المستعمرات الأخرى

وتخرج مالك بن نبي سنة 1935 مهندساً في الالكترونيات فعاد إلى الجزائر و إذا به يفاجئ بأن المستعمر الفرنسي حول حقول القمح إلى زراعة الكروم لإنتاج الخمور للفرنسيين، وتعجب من بلاده كيف يروى فيها سكارى فرنسا ويحرم فيها الشعب الجزائري من رغيف الخبز.

فما كان منه إلا أن عاد إلى فرنسا ليتفرغ للعمل الفكري، فعمل صحفياً بجريدة لوموند، وأصدر أول كتبه وهو “الظاهرة القرآنية”، ثم توالت كتبه في باريس فكان كتاب “شروط النهضة” سنة 1949، وكتاب “وجهة العالم الإسلامي” الذي عرض فيه مفهوم قابلية الاستعمار، ثم كتاب “لبيك” وكتاب ” الفكرة الافريقية الاسيوية”

الرحلة إلى القاهرة

وكان السفر إلى القاهرة أملاً يراود مالك بن نبي، إذ كانت مصر يومها تحتضن قضايا التحرر والعروبة، ورأى فيها إحدى مناطق الإشعاع الثقافي ومواقع التغيير الهامة في العالم الإسلامي.

وامتدت حياته بالقاهرة من سنة 1956 حتى سنة 1963 نما فيها عطاؤه الفكري في أكثر من اتجاه، واستطاع إتقان اللغة العربية، وحاضر في عديد من الجامعات و المعاهد.

وأصبح بيته أشبه بمنتدى فكري يرتاده العديد من المثقفين وأُصدر له أول كتاب باللغة العربية، وهو “الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.

ثم “تأملات في المجتمع العربي” و كتاب “ميلاد مجتمع” و ” حديث البناء الجديد” إلى أن تم تعيينه مستشارا للمؤتمر الإسلامي بالقاهرة .

وبالقاهرة ترجم له د. عبد الصبور شاهين عدداً من أهم كتبه ترجمة بديعة، فاشتهر ذكر مالك، وتعرف عليه الأكابر بمصر والشام، كما بنى مالك صلة بالرئيس جمال عبد الناصر، وخصصت له القيادة المصرية راتباً شهرياً مكنه من التفرغ للكتابة والمحاضرات خلال سبع سنين.

وأثناء إقامته بالعاصمة المصرية اندلعت الثورة التحريرية المجيدة بالجزائر فجرد مالك قلمه لها وكتب الكثير عنها، معرفاً بمبادئها وأهدافها وفاضحا جرائم المستعمر الفرنسي الذي أحرق الأخضر واليابس وعمل على اقتلاع الشعب الجزائري من جذوره الثقافية و الحضارية.

عودته إلى الجزائر

وبعد الاستقلال عام 1963 عاد مالك إلى الجزائر وتقلد العديد من المناصب الأكاديمية والمسؤوليات الإدارية، منها منصب مستشار للتعليم العالي، ثم مديراً لجامعة الجزائر، ثم مديراً للتعليم العالي.

وكان من بين نشاطاته الهامة بالجزائر ندوته الأسبوعية التي كان يعقدها في بيته وكانت قبلة الشباب المثقف.

ومع استمرار هذه الندوات و نجاحها، وتكريماً لشخصية مالك بن نبي حولتها الدولة الجزائرية إلى ملتقى للفكر الإسلامي يعقد سنوياً، ويحضره نخبة من العلماء ورموز كبيرة في الفكر والثقافة والعلوم الشرعية والانسانية.

وفي سنة 1967 فضل الاستقالة من العمل الوظيفي والتفرغ للعمل الفكري، وكانت آخر محاضرة ألقاها عام 1972 بسوريا تحت عنوان “دور المسلم و رسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”

ويعتبر الكثيرون أن هذه المحاضرة كانت بمثابة وصيته للعالم الإسلامي قبل وفاته في ال 31 أكتوبر 1973 عن عمر يناهز الثمانية والستين سنة.

إلى أن وافته المنية يوم 31 أكتوبر.