كيف ننتفع بالقرآن؟

دكتور سعد الكبيسي

دكتور سعد الكبيسي

من تجربة علمية وعملية في محاولة الانتفاع بالقرآن وطلب العون من الله في ذلك أحاول أن ألخص هذه التجربة في الآتي:

لا يكتمل الانتفاع بالقرآن إلا بتوافر عناصر أربعة هي:

الإيمان والتلاوة والتدبر والعمل.

وتحت هذه الأربعة تندرج علوم القرآن كلها وكل ما كتب عن الانتفاع بالقرآن والتعامل معه قديما وحديثا، وبطبيعة الحال تحت كل عنصر تفاصيل ومسائل ووسائل ومنهجيات كثيرة لا يتسع المقام لبسطها هنا.

ونعني بالإيمان: أن يكون التالي للقرآن مؤمنا مصدقا بما جاء في القرآن وأنه يمثل الهداية، ولذلك جاء القرآن بكثير من أوصاف القرآن مثل أنه شفاء وهدى ورحمة وفرقان وضياء وذكرى وبشرى، وكما قال سبحانه: “وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا” فالانتفاع إنما يكون للمؤمنين به.

ونعني بالتلاوة: كل ما يتعلق بالعناية بقراءة اللفظ والحروف بصورة صحيحة وأن تكون الأجواء مناسبة ولائقة بهذه التلاوة، وكما قال سبحانه: “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ”.

ونعني بالتدبر: كل ما يتعلق بالمعنى وفهم الآيات على وجهها الصحيح، بحيث يعرف ماذا يريد الله تعالى منها من خلال أدوات التدبر والفهم وكما قال سبحانه: “كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ”.

ونعني بالعمل: أن يتحول كل ما مر من العناصر الثلاثة إلى عمل وتطبيق في النفس والواقع المعاش، وهو المقصود النهائي من إنزال الكتاب، وكما قال سبحانه: “وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَٰكِمِينَ”.

ويزداد الانتقاع بالقرآن كلما ازداد وجود هذه العناصر الأربعة ويقل بنقصانها.

فإذا أخذنا مثلا قوله تعالى: “ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ، كان علينا:

أولا: أن نؤمن أن تلاوة الوحي دافعة لإقامة الصلاة، وإقامتها ستنهانا عن الفحشاء والمنكر فهي من أعظم الذكر، وأن الله مطلع علينا عليم بأحوالنا.

وثانيا: أن نتقن قراءة وتلاوة هذه الآية بحروفها ومخارجها وصفاتها حق تلاوتها من غير استعجال ولا تكلف.

وثالثا: أن نتدبر في معاني هذه الآية وهي أن إقامة الصلاة ثمرة لتدبر الوحي، وأن ترك الفحشاء والمنكر ثمرة للانتفاع بالصلاة، وأنه كلما نهتنا صلاتنا أكثر كان انتفاعنا أكبر، ذلك أن الصلاة هي أكبر الذكر لما فيها من عبادات متنوعة أو أن ذكر الله أكبر من كل شيء في الوجود أو أن ذكر الله لنا أكبر من ذكرنا له، وأن الله يعلم كل ما نصنع فالإخلاص له واجب.

ورابعا: أن ينعكس كل ذلك على أحوالنا فنتلو القرآن، ونقيم الصلاة بأوقاتها وشروطها وأركانها وخشوعها، وننتهي عما تنهينا عنه من معصية، وأن نستشعر مراقبة الله لنا وعلمه بأحوالنا.

فإن قيل: هل هذه العناصر الأربعة لا بد فيها من الترتيب؟

قلنا: نعم لكنه ترتيب تكاملي وليس ترتيبا زمنيا، ونقصد بالتكاملي بمعنى أن لا عمل بدون تدبر ولا تدبر بدون تلاوة ولا انتفاع بتلاوة دون إيمان لكنها تعمل مجتمعة وتزداد وتنقص مجتمعة في وقت واحد.

وإن قيل: فأين الحفظ من هذه الأربعة؟

قلنا: إن الحفظ ليس عنصرا مستقلا بل هو أداة ووسيلة تعين على تحقيق هذه الأربعة وتقويها، من خلال حفظ الآيات واستحضارها الدائم إيمانا وتلاوة وتدبرا وعملا، فهو نور على نور وفضل على فضل وأجر فوق أجر، لكنه بمفرده لا يستقل بالنفع دونها بل هو معها يسندها ويقويها.

ولذلك كانت أنفع طريقة للحفظ أن تكون متزامنة ومقترنة مع هذه الأربعة ومن جرب عرف.

اللهم ارزقنا الإيمان بالقرآن … وتلاوة القرآن … وتدبر القرآن … والعمل بالقرآن … 

د. سعد الكبيسي