كتاب الله تعالى.. وعلومه المهجورة

إدارة الإعلام

إدارة الإعلام

بقلم فضيلة الشيخ/ سليم بن عمارة

يستبشر أي مسلم حين يرى أجيالا من الشباب تعنى بتلاوة القرآن وتجويده، مئات الآلاف من المقارئ والآف المقرئين المتقنين في مساجدنا عبر العالم وفي الفضاء الأزرق، وجمعيات ومؤسسات متخصصة في تخريج المجازين وحلقات تصحيح التلاوة ومعاهد تعليم أحكام التلاوة بحمد الله تملأ الآفاق.
هو النصّ الإلهي الخاتم الأوحد للبشرية جمعاء، إنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يستحق أن يتلى كما أنزله الروح الأمين على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين، وبحمد الله وفضله أن جمعا عظيما من القرّاء والعلماء والمجازين تخصصوا في هذا الفنّ العظيم وأعادوا إحياء علم القراءات وربوّا أجيالا تتقن أحكام التلاوة وتعرف قواعدها.

كلّ هذا جميل بل رائع و لابد أن يستمر و يدوم، لكن أين هي علوم القرآن الأخرى؟؟؟ ألم يختزل القرآن الكريم في ظاهرته الصوتية فقط لحاجة الناس لتصحيح تلاوتهم لتصح صلاتهم ؟؟ ؟ أم أن هناك قصور عظيم وجهل مطّبق بأبواب كثيرة من علوم القرآن الكريم وتخصصاته؟؟؟

رأيت الكثير ممن نذروا حياتهم لأحكام التلاوة والتجويد تعلما وتعليما وعندما تسأله عن تفسير كلمة من الآية الكريمة تجده لا يعرف الشائع منها… بل من الشباب الأحداث من غرق في مقامات التلاوة ونوادر القراءات والفروق بينها وهو يجهل أشهر التفاسير ولا يعرف شيئا عن أسباب النزول أو المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ، وقد عدّ الإمام الزركشي في كتابه البرهان سبعة وأربعين بابا في علوم القرآن الكريم، وزاد في عددها الحافظ السيوطي إلى ثمانين علما في كتابه “الإتقان في علوم القرآن” ومن هذه العلوم علم إعجاز القرآن، وعلم أسباب النزول، وعلوم التفسير التي تتفرع منها عشرات العلوم، وعلم الرسم القرآني….

هل يقصد الابتعاد عن هذه العلوم والفنون وقصر كلام الله تعالى على القراءة والتجويد والمباراة به في المسابقات والمناسبات و المحافل؟؟؟

أم أنه ميل فطري عند العامة نحو التغني وتذوق الصوت الحسن دون عناء تفكير وتدبر في كلام المولى عزّ وجل؟؟؟

في حواراتي مع غير المسلمين وبخاصة المتخصصين من اليهود و النصارى يستفسرون كثيرا عن فحوى القرآن ورسالته وما الفرق بينه وبين الكتب السماوية السابقة؟ في هذا الموضوع لم أقرأ لأفضل من الشيخ محمد الغزالي طيّب الله ثراه في كتابه الثمين “المحاور الخمسة للقرآن الكريم”

لا تخرج أي آية من كتاب الله عن هذه المحاور الكبرى :

1- توحيد الله وعلاقة المخلوق بالخالق الأحد (فالإسلام قائم على عقيدة التوحيد)
2- الكون الدال على خالقه (فطوال قراءتك للقرآن تراه يربط بين مشاهداتك فى الكون والخلق للدلالة على الله الخالق المصور.. وتنتهى كثير من الآيات بــ : ألا تعقلون، لعلكم تتفكرون .. فهو خطاب مباشر للعقل)
3- القصص القرآنى (توقف القرآن عند بعض القصص فأوردها مفصلة كقصة سيدنا يوسف، وسيدنا موسى، وإبراهيم… وفى كلٍ حكمة)
4- البعث والجزاء والحديث عن اليوم الآخر (وهو أحد أركان الإيمان)
5- التربية للفرد والتشريع للمجتمع والدولة (ويدور حول ما يحبه الله سبحانه وتعالى وما ينهانا عنه من صفات وأفعال في الأنفس وفي الأمم)

عندما نسرد هذه المحاور عليهم، و نفتح المصحف الشريف فلا نجد آية تخرج عن سياق هذه المحاور الخمسة، التي تتداخل بينها في السورة الواحدة بإعجاز ربّاني باهر و جرعات دقيقة، و في وحدة موضوعية متماسكة في كل سورة قرآنية من أول آية إلى آخرها، بينما تجد الأناجيل بعهدها القديم والجديد قصاصات قصص متناثرة و تعاليم لا ترابط بينها ولا انسجام.

ألا تحتاج علوم القرآن الكريم الى ثورة إحياء و عناية و تعليم؟؟؟ ألا يحتاج المسلمون الى هبّة تفكّر و تدبّر و مصالحة شاملة مع كتاب الله تعالى و معانيه و علومه كلّها دون القصور على التلاوة و التجويد فحسب ؟؟؟
في شهر رمضان المعظم شهر القرآن، نزيد من تلاوة كتاب الله و ترتيله و يحرص بعضنا على الإسراع بختمتين والثلاث ختمات أو يزيد، فهلاّ خصصنا وقتا للتدبر في سورة واحدة؟؟؟ هل يمكننا قرع باب علم واحد أو التعريج على تفسيرين أو ثلاثة لبضع آيات كل يوم لنتفكّر ونستنبط والتفكير فريضة إسلامية؟؟؟

هي دعوة لإحياء علوم القرآن الكريم بشمولها ورحابتها وعظمها، ولا نقصرها على علم التلاوة وحكام التجويد فحسب، مع ضرورة معرفتنا بها، فكم من وقف في التلاوة وراءه أسرار جهلناها ؟؟؟ وكم من مدّ غرقنا في حركاته وغفلنا عن إشارة ربانية خفية فيه؟؟؟ وكم من إدغام وغنّة وإخفاء وإظهار لم نظهر على أسرارها والحِكم الكامنة فيها؟؟.