شهر رمضان وتعظيم الحرمات

الشيخ طه عامر

الشيخ طه عامر

شهر رمضان وتعظيم الحرمات

ذكر الإمام ابن القيم في تفسير هذا الآية:

ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)

قال جماعة من المفسرين: حرمات الله ها هنا مغاضبه، وما نهى عنه، و” تعظيمها” ترك ملابستها.

قال الليث: حرمات الله ما لا يحل انتهاكها. وقال قوم: الحرمات هي: الأمر والنهي. وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به، وحرم التفريط فيه. وقال قوم: الحرمات ها هنا المناسك، ومشاعر الحج زماناً ومكاناً.

والصواب: أن الحرمات تعم هذا كله.

وهي جمع حرمة. وهي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة والأماكن.

فتعظيمها: توفيتها حقها، وحفظها من الإضاعة، والخروج من حرج المخالفة وجسارة الإقدام عليها، بتعظيم الأمر والنهي، خوفاً من العقوبة، وطلباً للمثوبة.

تهذيب مدارج السالكين/ عبد المنعم صالح الغزي ص 286

  إن نعيش زماناً يُغرق أهلَه بالغفلة، ويغريهم بتجاوز حدود الله، ويوقعهم في مقارفة الإثم، إلا من رحم الله.

ورحم الله شيخنا محمد الغزالي، كان يقول: “ما كان قاصراً على الملوك أصبح ميسوراً لكل صعلوك”.

وللشيطان على المرء مسالك ومداخل، فإن وجده مستعصياً أبيَّاً على الكبائر أغراه بالصغائر وزينها له وهون منها في نظره، كما في رواية أنس بن مالك رضى الله عنه:

 إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أعْمالًا، هي أدَقُّ في أعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إنْ كُنَّا لَنَعُدُّها علَى عَهْدِ النَّبيِّ ﷺ مِنَ المُوبِقاتِ.

رواه البخاري.

بل إن التوسع في المباحات أضعف من همة الناس في الطاعات والإقبال على العبادات.

فنحن بحاجة أن نعظم حرمات الله تعالى في القلوب وهذا هو السائق لاهتبال نفحات أيام الله ومجانبة السوء.

لذلك قال تعالى:” ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) سورة الحج.

فالقلب هنا هو المحور في شأن تعظيم الأمر والنهي.

وشهر رمضان يعلمنا ويدربنا على تعظيم الحرمات من خلال جملة من الأمور، منها: 

– تترقب الأمة كلها قدوم الشهر الكريم في أنحاء العالم الإسلامي عبر العصور، عبر مؤسساتها الدينية والشعبية.

– الاحتفال والاحتفاء بقدوم شهر رمضان بكل مظاهره سِيمَّا في البلاد الإسلامية.

وما أحوج المسلمين في الغرب أن يبدعوا في وسائل الاحتفال والابتهاج بهذا الشهر العظيم حتى تتعلق الأجيال قلبياً بشهر رمضان.

 – ترقب ساعة الإفطار، واحتياط المسلم في وقت الإفطار، وقد نجد من يقول لأخيه باقي دقيقة على الإفطار.

كذلك يمتنع ويحذر المسلم قبيل الفجر عن المفطرات. وبعضهم يمسك قبل الوقت بخمس عشرة دقيقة أو أقل أو أكثر

– إذا أتى رمضان وجدنا كثيراً ممن لا يصلون سائر العام يهدى الله قلوبهم للانتظام في المساجد.

 وهذه الظاهرة لا يفسرها سبب واحد فقط، إلا أنَّ من أهم عواملها تعظيم حرمة الشهر الكريم في نفوس المسلمين.

 ويقذف الله في قلوبهم محبة العودة إليه والوقوف بين يديه والتماس الرحمات والتعرض في شهر رمضان للنفحات.

ولا شك أن الحالة الإيمانية الجماعية تلعب دوراً كبيراً في الالتزام بالطاعات وتعظيمها.

– تعظيم الحسنة ومضاعفتها وتعظيم الذنب ومضاعفته بحسب شرف الزمان والمكان.

 فالحسنة مضاعفة في المسجد الحرام، وكذلك السيئة كما نص على ذلك العلماء ومنهم الإمام العز في قواعد الأحكام.

لهذا يحترس كثير من الصائمين من الوقوع في المعاصي حتى لا يكون حظهم من الصوم الجوع والعطش كما جاء في الحديث، وما ذلك إلا تعظيما للشهر الكريم.

– كثرة أسئلة المسلمين عن فقه الصيام، وتتكرر الأسئلة كل عام حول سنن الصيام وآدابه ومفطراته إلخ، ويعكس ذلك تعظيم المسلمين للعبادة وحرصهم على صحتها.

– يتسابق كثير من الأطفال في الصيام رغم مشقته عليهم، ونحن ندعو إلى نهج الصحابة الكرام الذين كانوا يأخذون بأيدي أولادهم للطاعات بالترغيب وتزيين العبادات إلى قلوبهم وعقولهم.

– الصيام عبادة سرية فريدة بين العبادات، ولا يمنع المسلم من الإفطار إلا تعظيمه لله تعالى وأنه مطلع عليه وناظر إليه.

وتلك هي التقوى التي يقصدها الصوم. {لعلكم تتقون}.

بقلم الشيخ: طه عامر