روجيه جارودي .. لمحات من حياته

فيلسوف فرنسي ربته والدته على المسيحية الكاثوليكية وكان أبوه ملحدا، بينما آمن هو بالإسلام وقال إنه “دين المستقبل”. انتقد “الإرهاب الغربي”، وواجه الفكر الصهيوني بكتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية“.

المولد والنشأة
ولد روجيه غارودي يوم 17 يوليو/تموز 1913 بمدينة مرسيليا الفرنسية لأم كاثوليكية وأب ملحد، واعتنق البروتستانتية وهو في الرابعة عشرة من العمر.

الدراسة والتكوين
حصل بسبب تفوقه على منح الدولة في جميع مراحل التعليم، ودرس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة “إيكس أون بروفانس”، ونال درجة الدكتوراه عن النظرية المادية في المعرفة من جامعة السوربون بباريس عام 1953، ودكتوراه ثانية من جامعة موسكو عام 1954.

التوجه الفكري
عاش تجارب فكرية مختلفة، فقد ربته والدته على المسيحية الكاثوليكية في الوقت الذي كان فيه أبوه ملحدا. تبنى الفكر الشيوعي وأصبح واحدا من رموزه داخل الحزب الشيوعي الفرنسي الذي التحق به وهو في العشرين من عمره وظل فيه حتى طرد منه 1970 لانتقاده اللاذع للغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا 1968. انتقل بعدها للضفة الأخرى وأعلن إسلامه في 2 يوليو/تموز 1982.

صار واحدا من دعاة حوار الأديان السماوية ووحدتها مع إيمانه بأن الإسلام هو دين المستقبل، وهو عنوان كتاب له قال فيه “أظهر الإسلام شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد، وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحا على ثقافاتهم وحضاراتهم”.

الوظائف والمسؤوليات
عين غارودي عام 1937 أستاذا للفلسفة، وزاوج بين مهنة التدريس والبحث العلمي بعدما أسس المعهد الدولي للحوار بين الحضارات في باريس.

التجربة الفكرية والسياسية
شارك في حركة المقاومة ضد النازيين في فرنسا بداية أربعينيات القرن العشرين, فاعتقلته حكومة فيشي الموالية للنازيين ونقل إلى مدينة الجلفة جنوب الجزائر خلال 1940-1942.

انتخب عام 1945 نائبا في البرلمان الفرنسي، ونال عضوية مجلس الشيوخ (1946-1960) حيث ترأس اللجنة الثقافية الوطنية، وتوجه في الستينيات إلى عالم الأديان من خلال عضويته في الحوار المسيحي الشيوعي.

جرب الجمع بين الكاثوليكية والشيوعية فلم يجد نفسه فيهما، وبدأ يميل منذ السبعينيات إلى الإسلام الذي أعلن اعتناقه إياه في المركز الإسلامي بجنيف عام 1982 وغير اسمه من روجيه إلى “رجاء”.

ألّف بعد هذا التحول كتبا عديدة منها “الإسلام يسكن مستقبلنا”، فاستـُدعي لعشرات المؤتمرات والندوات والمنتديات، خاصة بعدما كشف في عدد من كتبه حقيقة الحروب التي خاضها ويخوضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها كتاب “أميركا طليعة الانحطاط”، فتعززت مع مرور السنوات شعبيته في العالم العربي والإسلامي.

ناصر قضايا عربية وإسلامية كقضية فلسطين، وواجه الصهيونية بشراسة خاصة بعد مجزرة صابرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، حيث أصدر بيان إدانة لها وقعه معه الأب ميشيل لولون، والقس إيتان ماتيو، ونشر في جريدة لوموند الفرنسية يوم 17 يونيو/حزيران من العام نفسه بعنوان “معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان”.

شن عليه الإعلام الموالي لإسرائيل والصهيونية حملة شعواء، وصوره على أنه عنصري ومعاد للسامية وقاطعته صحف بلاده، إلا أنه لم يتراجع عن مواقفه، وفي مرحلة هامة من تاريخ الرجل أصدر كتاب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” عام 1995.

وشكك في الرواية الصهيونية للهولوكوست، فحكمت عليه محكمة فرنسية عام 1998 بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، وغرّمته 120 ألف فرنك فرنسي (50 ألف دولار)، متهمة إياه بالعنصرية، وبإنكار جرائم ضد الإنسانية.

وقد قال غارودي في هذا الصدد: “اليهودية ديانة أحترمها، أما الصهيونية فهي سياسية أحاربها”.

أنشأ في مدينة قرطبة الإسبانية متحفا للتراث الأندلسي للاحتفاء بتجربة التعايش الإيجابية بين أتباع الديانات السماوية أيام الحكم الإسلامي في الأندلس.

المؤلفات
ألف غارودي عشرات الكتب، وكانت البداية برواية “البارحة واليوم” عام 1945، ثم كتاب “الشيوعية ونهضة الثقافة الفرنسية”. ومن أشهر كتبه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”, و”فلسطين أرض الرسالات السماوية”، و”الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها”، و”محاكمة الصهيونية الإسرائيلية”، و”الولايات المتحدة طليعة الانحطاط”، و”كيف نصنع المستقبل؟”، و”الإسلام وأزمة الغرب”، و”الإرهاب الغربي”، و”المسجد مرآة الإسلام”.

الجوائز
حصل غارودي على جوائز عديدة، منها ميدالية الشرف لمقاومته الفاشية الهتلرية بين عامي 1941 و1944، وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1985.

الوفاة
توفي روجيه غارودي يوم 13 يونيو/حزيران 2012 في ضاحية شامبيني سيرمارن الباريسية، ولم يعثر أصدقاؤه ومحبوه على قبر له، لأن أسرته -حسب روايات عديدة- قررت إحراق جثمانه وعدم دفنه على الطريقة الإسلامية، وهو الأمر الذي فسره كثيرون بأنه تم بضغوط جهات خافت منه حيا وميتا.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة