رمضان مدرسة نتعلم فيها فقه اليسر

اليسر نعمة من الله سبحانه. من يقرأ القرآن الكريم يباغت بأن أكثر ما ورد اليسر مبنى ومعنى معا في آيات الصيام في سورة البقرة، أيّ معنى لذلك؟ المعنى هو أنه إذا كان اليسر هو سدى عبادة الصيام ولحمتها فمن باب أولى وأحرى أن يكون ذلك اليسر هو لون ما عدا الصيام وكلّ ما عدا الصيام هو دونه إلا عبادة مثله لأن الصيام ينتمي إلى العبادات والتي لا تعلوها عدا العقائد.

من مظاهر اليسر في تلك الآيات أن الله سبحانه شدّد مرتين في السياق نفسه على ضرورة إفطار المريض والمسافر إذ قال في البداية «فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر» وقال في آخر الآيات الكلام نفسه تقريبا «فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر» هو تكرار مقصود حتى لا يتسلل أيّ ريب إلى الصائمين والصائمات أن الصيام حرج وعنت.

ومن مظاهر اليسر في هذه الآيات كذلك حطّه الصيام عن الذي لا يطيقه أي يطيقه بالمبني العربي القديم «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين». ومن تلك المظاهر كذلك ذكره اليسر إرادة منه مرادة سبحانه وجاء بكل أدوات التأكيد منها بناء التركيب في جملة فعلية ذاكرا الفاعل باسم الله العلم «الله» لإضفاء كل الجدية والتشديد في هذا الأمر، وما كانت الجملة بصيغة المضارع إلا لتفيد التأبيد والاستمرار والاستقرار والترسخ والدوام فلا ينسخها ناسخ.

وجاء بكلمة اليسر معرفة مستغرقة لا منكّرة ثم أكد كل ذلك بنفي ضده إذ قال بعدها مباشرة «ولا يريد بكم العسر». أي إثبات بكل أدوات التأكيد والإثبات ثم نفي للضد، فهل بعد هذا من ريب أن الإسلام كله ليس هو سوى اليسر الذي لا عسر فيه.

لست من القائلين بأن الإسلام يتحمل اليسر بل إن الإسلام هو اليسر وما كان الرفق في شيء إلاّ زانه كما قال نبي الإسلام عليه السلام وما كان العنف في شيء إلاّ شانه، أليس اليسر رفقا؟ أليس العسر عنفا؟

بل واصل في ذلك الاتجاه التيسيري وهو في عبادة تغشى الناس مرة واحدة كل عام إذ ذكر بعد ذلك مسألة غشيان الزوج زوجه في ليلة رمضان، إذ كان الناس برواسب من ثقافة إسرائيلية يحجمون عنه. قرأت الإسلام فما وجدت سوى أنه دين يضع عن الناس آصارهم التي كانت على بني إسرائيل بما شوهوا الدين وحرفوه وزيفوه.

ومن أمثلة التيسير من السنة أمره عليه الصلاة والسلام بالتعجيل بالفطر وتأخير السحور وأناط البركة في ذلك والخيرية، وبيان ذلك هو أن الله يحول دوننا ودون التحملات والتعسيرات والأثقال والآصار باسم المبالغة في التقوى، ولذلك لم يتردد عليه الصلاة والسلام أن قال «التقوى هاهنا» مشيرا إلى صدره الكريم.

من اليسر أن الإنسان -وهو يتأهل للكف عن الطعام والشراب لساعات طويلات قد تصل إلى حد تسع عشرة ساعة في أوروبا في بعض الفصول وقد تكون لاظية حارة في المناطق المحيطة بالحزام الأرضي- لا مناص له من التوقي لذلك بالأكل والشرب وغير ذلك.

الله لا يريد تعذيبنا ولكن يريد إعدادنا لمعركة الحياة بما نستطيع فحسب، ولقد قرّر الفقهاء حدبا على ذلك اليسر الذي يطبع شريعة الإسلام إذ قالوا أن الفطر ممّا يدخل وليس مما يخرج ومظاهر أخرى من اليسر لا تتسع لها هذه المصافحة عدا أن كثيرا من الشباب المتدين حديثا شغبوا على فقه اليسر، فظنوا أنه في مقابل الالتزام بالشريعة والحقيقة أن اليسر هو ضد العسر وليس هو التقصي من تكاليف الشريعة؛ ولذلك لا يأمن كلّ من يتحدث عن يسر الإسلام اليوم بعلم وفقه وليس بصفاقة من سهام أولئك.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة