رمضان مدرسة تعلمنا قيمة الصبر

الصبر ـ وهو لغةً: الحبس والحجز، حتى قيل قديماً أنّ فلاناً يُقتلُ صبرا ـ وهو قيمة يحتاج إليها الإنسان بغض النظر عن دينه، ذلك أنّ الباري سبحانه ما خلقنا إلاّ ليَبْتَلِيَنَا ومن شأن المبتلى أن يلقى الحواجز في طريقه والعسرات في دربه.

ألم يجعل الله سبحانه الدنيا دار كدح والإنسان كادح فيها إليه سبحانه كدحًا؟

ألم يجعلها دار كبد والإنسان فيها يكابد مجاهدا مقاوما مغالبا فلا يسلم له قيادها إن سلم إلاّ من بعد مجاهدات دونها الذي دونها؟

فإذا كان ذلك كذلك فإن الصبر هو الجرعة الغذائية التي تبلّغ السائر غايته. قال عليه الصلاة والسلام «الصوم نصف الصبر».

إذا كان الصبر هو بلغة السائر في الدنيا لا ينفك عنه عسر حتى يجتمع عليه غيره فإن الصوم هو نصف تلك البلغة، أجل؛ ذلك أن الصوم صبر من الإنسان على طعامه وشرابه ولذته، بل ورد في الأثر عن ابن مسعود أنّ الصبر نصف الإيمان.

فإذا صحّ ذاك فإن الإيمان الذي هو المطلوب الأوّل والأكبر يتركب من جزأين: الصبر والطهور لقوله عليه الصلاة والسلام «الطهور شطر الإيمان».

وبذا نلتقط الصبر نصفه من الصوم، فالصائم يجبي نصف صبره أي ربع إيمانه فإذا تطهر بدنا وثوبا وفناء بيت فقد جنى إليه الإيمان كله.

أرأيت كيف أن النبي عليه الصلاة السلام ييسر الإسلام للناس وفي بعض الأحيان فيما يشبه المعادلات الرياضية اليسيرة السهلة المفهومة؟ ربّما لم يوفّ قيمة الصبر حقها أحد بعد ابن القيم رحمه الله إذ فصّل فيه فقال: هو صبر على الطاعة وصبر على المعصية وصبر على المصيبة.

بل إن أروع مظاهر الصبر هي الصبر على المباح أي أكلا وشربا وذلك لا يتحقق إلا لمؤمن يدع ذلك ابتغاء مرضاة ربه سبحانه فيورثه في صدره إخلاصا يجد برده وحلاوته في فؤاده أحلى من الشهد المصفى وأبرد من الزلال الجاري.

الصيام مضاد حيوي يطعّم الإنسان ضد الجراثيم النفسية والبدنية سواءً بسواء، ومن يعتاد الصيام عاما من بعد عام فلا ريب أنه يروِّضُ نفسه على تحمل الشدائد والصعوبات وخوض الامتحانات والهزء بالإعسار والخطوب، وذلك هو مراد الله سبحانه من عبده ومراد العبد من نفسه ذلك؛ أنه حتى في عالم المال والأعمال وغيرها لا يفوز الناجح إلا بصبره ساعة واحدة على غيره.

الصبر الذي يحتاج إليه الناس كلهم في هذه الدنيا ييسره الصيام ويكون واجبا على المؤمن مرة واحدة في كل عام. أليس لنا أن نبشر بشريعة تؤهل الإنسان على خوض معركة الحياة بجدارة؟ بلى، وهذه طريقة الأنبياء والصالحين ونحن على دربهم سائرون.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة