رمضان مدرسة تعلمنا قيمة الإخلاص

رمضان الإخلاص «مدرسة ربّانية لبداية جديدة»

رمضان مدرسة تربوية إصلاحية جامعية، ذاك ما انتهيت إليه وأنا أجمع الآيات والأحاديث في موضوع الصيام، معلوم أن الإسلام كله مدرسة تربوية إصلاحية جامعة إذ هو يرتب للناس دورات مكثفة دورية مرتبة في الزمان والمكان والغاية القصوى منها هي تزكية النفس رشدا وتقوى فإذا انصلحت النفس تأهلت لإصلاح العمران من حولها.

ومن ذلك أن الصلاة كتاب موقوت وهي وجبات يومية تحصّن المصلي من الفحشاء والمنكر، والصيام دورة مكثفة مرّة واحدة في العام يجني منها الصائم تقوى تحجزه عن دسّ نفسه وتعلمه الشكران والرشد، والزكاة مطهرة وتزكية، والحج شهود منافع ولقاء وذكر وغير ذلك، الإسلام كله إذن بمعاقده العظمى وعباداته الكبرى المؤسسة مدرسة تربوية إصلاحية جامعة.

ممّا نتعلمه من رمضان قيمة الإخلاص الذي يشيّد الإنسان على أسس نفسية متينة راسخة تنبذ عنه رذيلة الرياء والطمع في الناس والخوف منهم وتحميه من الذلة بين أيدي الموسرين، نعمة الإخلاص لها منافع في الدنيا قبل الآخرة ومصالح هنا قبل هناك، من هذا الحديث القدسي المتفق عليه تعلمت أن رمضان مدرسة تعلمنا قيمة الإخلاص «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع الإنسان طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» كأن الله سبحانه بسط كل العبادات والقربات وانتقى منها واحدة فحسب جعلها له هو وحده وهي قربى الصيام.

العمل كله له وحده عندما يتقرب به العبد إليه ولكن التصوير مجازي يقصد منه أن الصوم؛ مثله مثل الصبر، خارج عن الجدول الحسابي الذي يناسب فيه كل عمل ثوابا معينا محدودا، كل عمل صالح يضاعف عشرًا كما ورد والإنفاق يضاعف سبعمائة ضعف وصلاة الجماعة بزهاء ثلاثين وغير ذلك مما ورد، المهم أن المسلم في هذه الدنيا تاجر يبحث عن الأجر الأكبر ويتجنب الوزر الأعظم كما يفعل تاجر الدنيا بالتمام والكمال.

الصيام يعلمنا قيمة الإخلاص بمعنى أن الإنسان يمكن أن يتسلل إليه ذئب الرياء في كل عمل سواء كان صلاة أو إنفاقا أو حجا أو طلب علم أو بثه أو مقاومة أو أي عمل، بلا أي استثناء عدا الصيام فلا مجال لأن يتسلل إليه شيطان الرياء لأن الإنسان عندما يكف عن الشهوات المباحة ولا يراه أحد، إن أكل أو شرب فهو ينهل من مشكاة الإخلاص لربه ويكرع من نهر الصدق معه سبحانه.

ذلك هو معنى أن رمضان مدرسة تعلمنا قيمة الإخلاص ولذلك اصطفى الله سبحانه عبادة الصيام دون كل العبادات والقربات لتكون له كما أخبر وهو يثيب عنها خارج دائرة الحسابات المعروفة مثلها مثل الصبر الذي ورد فيه أنه كذلك إذ يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة