رمضان شهر القرآن

الشيخ كمال عمارة

الشيخ كمال عمارة

مع انتشار التقصير في رعاية القرآن في حياتنا، وهجره من قبل أبنائنا، صار شهر رمضان المحطة السنوية الأهمّ لترميم هذا النقصان وتدارك هذا الهجران، ولا غرابة في ذلك، فإن الله تعالى يفتح قلوب المؤمنين في رمضان إلى القرآن الكريم، فيشتد تعلقهم به تلاوة وحفظا وتأملًا وتدبراً.

ورمضان والقرآن صنوان لا يفترقان في كتاب الله وحياة رسول الله صلى اللَّهَ عليه وسلم ووجدان المسلمين على امتداد العصور.

 ففي رمضان أنزل القران : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة: 185]

 وفي أعظم ليلة فيه، أنزل إلى بيت العزة جملة واحدة، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) [القدر:1].وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) [الدخان: 3].

 بل إن كل الكتب السماوية كلها أنزلت في رمضان، قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) “حسنه الألباني في صحيح الجامع”.

 والصيام والقران شفيعان. قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:(الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ.(أخرجه أحمد).

 لذلك كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (أخرجه البُخَارِي)

”و كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، و كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة ” (ابن رجب/ لطائف المعارف ص 191).

وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث” (لطائف المعارف ص 191). وكان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.

وكانت عائشة – رضي الله عنها – تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت. وهكذا كان حال السلف رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين ومن اتبع سبيلهم، يتخذون من شهر رمضان محطة لتلاوة القرآن وتدبره وتعلم أحكامه. ورغم أنهم كانوا أشد الناس حرصاً على التعلق بكتاب الله في سائر الأيام فإنهم كانوا أشد حرصاً وأكثر اجتهاداً في شهر رمضان.

 وهذا حال المسلم الحقيقي، يحذر من أن يكون ممن ذمهم الله تعالى في قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)(الفرقان:17).

وهجران القرآن قد يكون طوال العام أو بعضاً منه، وقد يكون هجران تلاوةٍ أو تدبرٍ أو عمل، وقد يكون كل ذلك والعياذ بالله.

لذلك يعتبر رمضان محطة سنوية لتجديد العهد مع القرآن، والاستزادة من معينه وتدارك النقص في تلاوته وتدبره والعمل به.

وحبذا لو يكون ختم القرآن في هذا الشهر عنصراً قارّاً في برنامج كل فرد في الأسرة، ومن الملاحظ أن كثيراً من الناس، وبخاصة الأطفال والشباب، يعجز عن ختم القران خلال الشهر نظراً للارتباط بالتزامات مدرسية أو مهنية، لذلك يمكن تشجيعهم على أن يبدؤوا ختمة رمضان في شعبان ليتوافق ختمه مع العشر الأواخر منه.