خطر الانزلاق للعصبيات والطوائف «كل حزبٍ بما لديهم فرحون»

يقول الحق تبارك وتعالى {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53]

يقول الفخر الرازي {فَتَقَطَّعُوا} “معنى المبالغة في شدة اختلافهم والمراد بأمرهم ما يتصل بالدين”.

ويعرّف العلامة ابن عاشور الحزب “الجماعة المجتمعون على أمر من اعتقاد أو عمل، أو المتفقون عليه” ويضيف” قديما كان التحزّب مسببا لسقوط الأديان والأمم”. وطبعا الحديث هنا لا يمكن أن ينطبق على الظاهرة الحزبية في الشأن السياسي الْيَوْم، فهذا اسقاط هجين. فالظاهرة الحزبية في الشأن السياسي هي في دائرة التنوّع وتعدّد الرؤى والمقاربات لحل مشكلات المجتمع والدولة دون أن تكون بالضرورة اختلافا عقديا أو دينيا، بل في أغلبها في دائرة الدين الواحد.

ولكن ظاهرة التقطّع التي تطال العقائد والأفكار هي تطال كل مجالات الحياة، وشدّة التفرّق حتى بلوغ درجة العداوة البينية هي من مصائب الحياة، وهي مذمومة دينيا واجتماعيا.

يقول صاحب التفسير التوحيدي ” ولكن أتباعهم الأخلاف المتعاقبون ترتّب على ابتلائهم بطول الآماد بعد عهد الأصل والقدوة أن ضيّعوا وحدة الأمة وتقطّعوا بينهم وفرّقوا أمرهم بعد الدين الموحّد والمسلك المستقيم في الإيمان والحياة وصاروا هم زبرا، قطعا أو كتلا مغلّظة وعصبيّات أقوام وطوائف” ويضيف ” أصبحت تلك الفرق الملّية من الخَلَف كل حزب يتمسّك بخيار ضلاله عن الأمة الواحدة الأحقّ وعرف فتنته فرحا بسكرة الفتنة”.

ومن المفارقات التي يجب التنبّه إليها أن البعض يريد أن يحوّل التعدّدية الفكرية والسياسية من كونها إثراء للحياة وتحفيز لإبداع طرق إدارة الاختلاف إلى اختلاف ايديولوجي مُسقط ومغلق لا يؤدي إلا إلى الكراهية وزرع الحقد.

وهنا يكمن الخطر الذي تنبّه إليه هذه الآية. فالأمة والوطن الواحد من الطبيعي أن تتعدّد فيها الرؤى ووجهات النظر ومقاربات الحلول للمشاكل، وفي المنظومة القانونية ما يضبط ذلك، ولكن الانزلاق إلى العصبيات والطوائف حتى يصير معه الوضع “أن كل فريق منهم مغتبط بما اتخذه دينا لنفسه معجب به يرى المحق أنه الرابح، وأن غيره المبطل الخاسر” كما يشير إلى ذلك الفخر الرازي، سيحلّ التمزّق بجسد الأمة والوطن وهو ما تفوح نذره إن لم يتدارك العقلاء ما يفعله الجهلاء بالأوطان.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة