حتى لا يكون الهلال فتنة

هذا الدين؛ الإسلام، سلاح ذو حدّين أي أنه يضل الله بكتابه -القرآن الكريم – من شاء ويهدي به من شاء، يضل به الذين يقبلون عليه بكبر ويهدي به المؤمنين الممتلئين تواضعا وهو هو قرآن كريم لا يتبدل ولا يتغير وذلك يعني أن العبرة بجهاز الاستقبال أما جهاز البثّ فهو ينبع من الحكمة بل من مشكاة الخير.

هذا الدين عندما تأبطه أقوام في السالف تأبطا بليدا إذ قلبوا سلّمه التفاضلي فقدموا المؤخّر وكبّروا الصغير فإنهم ضلوا مروقا من الدين كما يمرق السيف من الرمية وهو الدين ذاته عندما التزمه آخرون فوق الأرض ذاتها وفي الأيام نفسها بإحسان وبصيرة فإنهم كانوا هداة تقاة. تطل علينا «فتنة الهلال» مع مطلع كل رمضان جديد وشوال جديد، يوريها غلمان ضمر علمهم أو وكّلوا من لدن غيرهم لتصريم صف الأمة الذي إمّا أن يكون واحدا حتى وهو متنوع متعدد وإما فلا أمّة تستحق الحياة والهيبة بدونه.

في حياض تلك الخوضات ينسى بعضنا أن الحديث الشريف جاء بوسائل ثلاث لتحديد دخول أي شهر قمري وينسى بعضنا كذلك أنها وسائل مختلفة لمقصد واحد، المقصد الذي ما ينبغي لنا سوى الاجتماع عليه متكافلين هو صيام رمضان شعيرة دينية لها أحكامها القليلة وحكمها الغزيرة، أرشد الحديث النبوي إلى وسائل ثلاث هي: الرؤية سواء بالعين المجردة أو بالآلة المعاصرة والتقدير وهو التزام الضبط العلمي وقد علّم الله البشرية اليوم ما لم تتعلم في سالفات الأيام وإكمال عدة شعبان ثلاثين.

يقول صلى الله عليه وسلم في كل مرّة: فإن غمّ عليكم، يخاطب أمة لا شأن لها في تلك الأيام بالتقدير الفلكي، أظن أنه على الأئمة أن يعلموا الناس أنها وسائل ثلاث لتحقيق مقصد واحد وأن الوسائل تتغير ولكن المقصد الواحد يظل ثابتا لا يتغير وأن هذه الأمة مبناها سقف واحد لا يهدم وأديم واحد لا ينقض وبين ذلك السقف وهذا الأديم تعتلج الاختلافات والتنوعات والتعدديات لتقوم كلها شاهدا أعظم على أن المتفرد بالوحدة ومن ليس كمثله شيء سبحانه إنما هو الله وحده سبحانه وما عداه مختلف متعدد متنوع وأن قيمة التنوع لمّا تكون تحت ذلك السقف وهذا الأديم فإنها قيمة إيجابية بها عمل الصحابة الكرام وأن الصف الواحد للأمة التي يتربص على تخومها الأعداء أولى من الاختلافات الجزئية والأمر شبيه بطرائق العلماء قديما في تحقيق التنزيه الإلهي فمنهم من لزم التفويض ومنهم من لزم التأويل ومنهم من لزم الإثبات وكلهم رائم روما صادقا التنزيه الإلهي الكامل.

لقد تشرّب الصحابة هذا عندما أوفدهم عليه السلام إلى بني قريظة من بعد الفراغ من الخندق فاختلف بعضهم مع بعض في صلاة العصر إذ أوشكت الشمس على الاصفرار أو المغيب فتأوّل بعضهم حديثه بطريق فصلّى العصر وتأوّل الآخرون ذلك بطريق آخر فلم يصلّ العصر ولكن ظلوا صفا واحدا في مواجهة الحلف الغادر وأقرهم عليه السلام جميعا على تأوّلاتهم، فليكن الهلال لنا طالع يمن يوحد الصف لا فتنة.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة