خطبة جمعة | المسلم الأوروبي حين يكون قدوةً صالحةً

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد، فإن للأخلاق أعظم الأثر في التعريف بالإسلام ومحو الصور المغلوطة عنه، وحياة المسلم الأوروبي بأخلاق الإسلام تغني عن ألف كتاب مترجم، وألف محاضرة تشرح جمال الإسلام وسماحته؛ لأن المواد المشوِّهة لصورة الإسلام أضعاف التي تصف حقيقته. ولهذا قيل: حال رجل في ألف رجل أبلغ من كلام ألف رجل في رجل. وخطابنا للمسلم الأوروبي بضرورة أن يجسد الإسلام بأخلاقه لا يعني أن يكون المسلم نفعياً يفعل ذلك فقط ليدخل من يرى أخلاقه الإسلام فإن علم أن من يراه له موقف رافض للإسلام غير سلوكه وأخلاقه معه، وإنما يفعل ذلك أبداً في كل الأحوال والأوقات، لأن الإسلام يأمره بذلك وأما هداية الناس إلى الإسلام فأمر قلبي بيد الله وحده {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]

وقدوتنا هو نبينا صلى الله عليه وسلم الذي تعامل بأخلاق الإسلام مع كل الناس حتى خصومه وأعداءه الذين آذوه وتآمروا على قتله؛ فقد عامل ثمامة بن أثال الذي كان زعيما وقائدا من قادات قريش بالحسنى، رغم ما بدر منه من إساءات، حتى قال ثمامة:”والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ” فأسلم بعد إطلاق سراحه وهذا يعني أن تصرف النبي صلى الله عليه وسلم معه كان مبدئيا ذاتيا وليس نفعيا مصلحيا. وكذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمانات لأهل مكة قبل الهجرة رغم إيذائهم له؛ لأنه يثبت المبدأ ويغرس القيمة، وإنقاذ يوسف عليه السلام مصر من المجاعة الاقتصادية بتفسيره لرؤيا الملك رغم أنه ظلم وسجن بضع سنين ولو عاملهم بمسلكهم معه لتركهم للهلاك. لهذا يبلغ المسلم بحسن خلقه درجة الصائم القائم كما في قوله صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَات قائم الليل صائِمِ النهار” وقال أيضا: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيّ) ولهذا ركز جعفر بن أبي طالب في خطابه مع النجاشي على القيم الأخلاقية الإيجابية التي جاء بها الإسلام والمشتركات بين الإسلام والمسيحية دين النجاشي يومئذ، ولم يدخل في دوائر العقوبات والمتغيرات.

والمسلم الأوروبي هو كتاب مفتوح عن الإسلام يقرأ من يراه ويخالطه الإسلام فيه، فحين يكون قدوة صالحة يحقق معنى البلاغ والبيان والشهادة على الناس بسلوكه وأخلاقه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “إن الصحابة نقلوا الأمم إلى الإسلام ولم ينقلوا الإسلام إلى الأمم” وذلك بسلوكهم وأحوالهم، ولم ينقلوه إليهم في صورة محاضرات وكتب مترجمة وسلوكهم وحالهم يناقض قيم الإسلام ومبادئه.

وهذه نماذج عملية لتأثير القدوة الصالحة للمسلم الأوروبي في تغيير الصورة الخاطئة عن الإسلام في أعين الغربيين:

  • توبة قبل الحج: حدثني إمام تركي ثقة أن مسلماً تركيا يعيش في إحدى المدن الألمانية قرر الذهاب إلى الحج قبل عدة أعوام، وأراد أن يتوب إلى الله قبل سفره لتُقبل حجته فذهب إلى شركة المواصلات الألمانية وقال لهم: لقد ركبت عشرين سنة دون ثمن وكنت أتحايل لأتهرب من الدفع والآن أريد أن أدفع عن العشرين سنة لتقبل توبتي قبل الحج. استغرب الموظفون وقالوا له اذهب لا نستطيع تقييم المدة فأصَّر على الدفع، وأمام إصراره منحوه مكافأة لصدقه ببطاقة سفر مجانية داخل مدينته بقية عمره.
  • علاجُ كلبٍ يفتح للمسلمين مسجداً في فرنسا: حدثني فيلسوف وداعية مسلم في فرنسا أن امرأة فرنسية قادت احتجاجات شعبية في حي من أحياء فرنسا ضد بناء مسجد للمسلمين وصدر قرار بإيقاف البناء. وذات يوم خرجت تلك المرأة لعلاج كلبها المريض بصورة مفاجئة، وتزامن ذلك مع خروج طبيب بيطري مسلم لصلاة الفجر فأسعف كلبها وأنقذ حياته. تعرفت المرأة عليه ولما رأت خلقه كمسلم وأنه تضرر من قرار منع بناء المسجد قالت: لا أجد تعويضاً عما فعلت إلا أن أغيِّر الصورة لدى أهل الحى ليبُني المسجد وقد كان.
  • ألمانية تكتب ثروتها لجارها المسلم: لي صديق في إحدى المدن الألمانية الكبرى أحسن إلى جارته الألمانية الثرية وعاملها كأمه هو وأولاده وذات يوم بعد وفاتها بأيام فوجيء بالشرطة في بيته تسأله: أتعرف فلانة؟ قال: نعم. هل وقع شجار أو خلاف بينك وبينها؟ قال: لا. بل كانت كأنها واحدة من عائلتي وكانت تحب أولادي ويحبونها. فتأكدت الشرطة بذلك من عدم صحة دعوى أولادها من أنه أكرهها أو خدعها لتكتب كامل ثروتها وهي ثروة ضخمة لهذا الأخ وتحرم أولادها. لأن الأخ لم يعلم بذلك إلا بعد وفاتها حينما أخبرته الشرطة. فانتقلت تركتها إليه وصار من الأغنياء بحسن خلقه معها.

ويلاحظ في المواقف الثلاثة أن الأخلاق كانت سببا في تغيير الصورة عن الإسلام والمسلمين، بل ترتب عليها مواقف إيجابية عملية ممن شاهدوها، وأنهم لم يعتنقوا الإسلام؛ لأن الهدى هدى الله والقلوب بيد الرحمن.

ومن تعاجيب مواقف المهتدين الجدد إلى الإسلام ولعله أطرف ما حدث لي في حياتي كلها، وما أسال دمعي، وخشّع قلبي، وأصاب سائر بدني بقشعريرة نادرة، تلك القصة التي حدّثني بها درة ولؤلؤة دعاة ألمانيا ومفكريها الدكتور العالم الرباني أحمد الخليفة مدير المركز الإسلامي بميونخ حفظه الله وسلمه، وملخصها أنه قرأ إعلانًا في صحيفة ألمانية جاء فيه: مطلوب قسيس مسلم يعمدني الإسلام! وترك المعلن عنوانه وهاتفه فاتصل به د/ خليفة فلم يرد فذهب على الفور إلى عنوانه فلم يجده، فسأل عنه جيرانه فلم يجيبوه بل خافوا منه، فترك له رسالة فيها عنوانه للتواصل معه. ثم ركب الحافلة إلى الجامعة التى كان يدرس بها آنذاك، ولما أراد النزول قال وجدتُ حاجزًا يمنعني من النزول ويبقيني لأذهب إلى المركز الإسلامي في نفس الحافلة، وهناك وجدت رسالة من صديق لصاحب الإعلان يقول فيها: إن صاحب الإعلان في المستشفى وحالته خطيرة ويحتاج إليك بشدة، ويلح في طلبك، وترك عنوان المستشفى. 

قال د/خليفة ذهبت على الفور إلى المستشفى، وما أن وصلت حتى استبشر فرحًا بوصولي قائلاً: أنت القسيس المسلم؟! قلت: بلى. وكان في الحجرة قس مسيحي فنادى عليه قائلاً ادن منا لأني سأُسلم الآن. ثم قص قصته فقال: سافرت إلى المغرب سائحًا واستضافني مغربي مسلم اسمه حسن وأكرمني وأحسن إلىّ ولم أصدق أنه لا يريد بي شرًا ولا يريد أن يقتلني، فتناومت لأنظر ما يفعل بي، وقد أحس بي وحاول أن يطمئنني لكنى بقيت خائفًا منه، ولما أصبح الصباح أحضر الفطور، وبعدها قدمت له ثمن الاستضافة، فرفض قائلاً: أنت ضيفي والإسلام أمرنا بإكرام الضيف 3 أيام، ورفض أخذ الأجرة، فاتفقت معه أن أزوره كل عام وأحببته وتعلقت به، وظللت أتساءل في نفسي أى دين يأمر بهذا؟!، وأردت التعرف على هذا الدين فلم يكن أمامي سبيل إلا أن أعلن في الصحيفة عن حاجتى لقسيس مسلم يعمدني الإسلام، لأصبح أخًا لحسن المغربي وألقاه العام المقبل وقد أسلمت مثله، فحدِّثني  أيها القس المسلم عن هذا الدين. 

قال د/ خليفة الداعية الحصيف: الإسلام دين الفطرة وهو دين تكاليفه محدودة معدودة متناغمة مع حياة الإنسان وأركانه خمسة، وعندما وصل إلى الحج قال له: أنا مريض لا أستطيع السفر هل يمكن أن يحج عنى أخي حسن؟ قال: نعم. ثم قال: ماذا أفعل لأكون مسلمًا؟ قال: تنطق بالشهادتين فنطق بها وهو فرح مسرور، وقال: الحمد لله الآن أنا مسلم، هل يلزمني تغيير اسمي؟ قال د خليفة ليس شرطًا. قال: سأغيره ويصبح اسمي حسن. ثم ودَّعه د خليفة على أن يتواصل معه للاطمئنان عليه، وفي اليوم التالي اتصل بالمستشفى ليسأل عنه فأُخبر أن روحه قد فاضت إلى بارئها بعد أن خرج د خليفة من عنده مباشرة. قال لي د خليفة متأثرًا: ولا زلت انتظر لقاء أخي حسن المغربي بأخي حسن الألماني في الجنة إن شاء الله تعالى. 

ألقيت محاضرة عن أثر الأخلاق في التعريف بالإسلام في أحد مساجد ألمانيا وذكرت فيها هذه القصة، فنقلها أحد الشباب المغاربة لأمه في المغرب عبر الهاتف، فبكت وقالت له: إن عمك حسن قد استضاف ألمانيًا عنده منذ نحو 20 سنة لعله هو، فسأل عمه فقال له: القصة متطابقة مع الألماني الذي استضفته هل يمكن أن تسأله في أى عام حدث هذا؟ 

فسألت د خليفة فقال: عام 1981 ، فقال وقع هذا معى في ذات العام

العجيب أن حسن الغربي رجل عادي غير متعلم مدخن ليس إمامًا ولا شيخًا، ولما بلغته القصة قال: الآن آن أوان التوبة الصادقة، والعودة الحقة إلى الله، فكان حسن المغربي سببا في إسلام حسن الألماني، وكان الأخير سببا في هدايته، وكان المغربي سببا في هدايته بخلق الكرم والسماحة مع شخص أجنبي لا يعرفه وعمل سلوكه في قلب ونفس الألماني رغم أنه لا يعرف اللغة ولم يحدثه عن الإسلام بمحاضرة فلسفية طويلة.

إن كل ما نذكره يضاعف المسؤولية على المسلم الأوروبي إذا انحرف عن أخلاق الإسلام، ويجعله رسول هداية إذا تمسك بها. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت والحمد لله رب العالمين.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة