الكرامة الإنسانية

أحمد محمود عمورة

أحمد محمود عمورة

قال تعالى: ﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ﴾ وقال عز من قائل: ﴿إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾.
الإنسان مخلوق مُكرّم ومنعّم ومُستخلف ومُكلّف:

  • فهو مُكرّم من الله تعالى في الملأ الأعلى: خلقه الله بيده وصوّره في أحسن تقويم ونفخ فيه من روحه وعلّمه الأسماء كلها وأسجد له الملائكة وخلق له زوجَه وأسكنهما الجنة وابتلاه بالشجرة وتاب عليه وأهبطه إلى الأرض مؤيدا بالتسخير والتدبير والتفكير والتذكير والتحذير، تسخير ما في السماوات وما في الأرض، وتدبير الملائكة المدبرات أمرا والحفظة الذي يحفظونه من أمر الله والكرام الكاتبين الذين يحفظون عليه أعماله، والتفكير بصلاحه ومصالحه ومصيره، والتذكير له: عبر هدايات الرسل والكتب، وتربية الوالدين ونصيحة المحبين وواردات الألطاف الإلهية ومطارق القدر، والتحذير من فتنة شياطين الجن والإنس بالشهوات والشبهات.
  • وفي الأرض: هو مُستخلَفٌ ومُكلّف، فهو مستخلَف من السلالتين سلالة الطين وسلالة الماء المهين أَصلَيْ الحياة والنسل، ومُكلّف بالوحي الإلهي شهادة وعبادة وبالهدي النبوي قدوة وأسوة ودعوة وبالوعي الرباني تفكرا وتدبرا وبالسعي الإنساني في الأرض إثارة وعَمارة دينا وتمدينا وتمكينا.

والاستخلاف والتكليف لهما مراتب:
فأعلاها مقام النبوة والرسالة، ثم الصدّيقية والتحديث والحكمة والبصيرة والإلهام والفراسة والرؤيا الصالحة، وفي حفظ النبوة نصرة بالحواريين ووراثة من الربانيين (إمامة وخلافة وولاية ورواية ودراية ورعاية، من العبّاد والمجاهدين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).

  • والإنسان مُستخلف بالاستخلاف العام “الإيمان”: ﴿إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً﴾ ف “الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الّذي خُلِقَ له” ابن خلدون في المقدمة.
  • ومُكلّف بالتكليف الخاص “الأمانة”: ﴿إِنّا عَرَضنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ﴾
    وغايتهما (الاستخلاف والتكليف) حفظ الانتظام العام: بحفظ النظامين نظام الأمة ونظام العالم.
    ١- حفظ نظام الأمة بالكتاب الهادي والميزان العادل والشريعة المطهرة: “القصد العام من التشريع هو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان. ويشمل صلاحه صلاح عقله، وصلاح عمله، وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه” ابن عاشور في المقاصد.
    ٢- وحفظ نظام العالم بالقانون والقوة: “حفظ نظام العالم، وضبط تصرف الناس منه على وجه يعصم من التفاسد والتهالك” ابن عاشور في المقاصد، وقال “مُراد الله في الأديان كلها، منذ النشأة إلى ختم الرسالة واحد، وهو حفظ نظام العالم وصلاح أحوال أهله”.
    وأصل حفظ الانتظام العام بنظاميه هو بناء “رؤية العالم” التي تنبثق من وحي يعصم من الضلال وهدي يعصم من التحريف وتقوى تعصم من الهوى وهمّة تتشوّف إلى الفردوس الأعلى:
    ورؤية العالم: مفتاحها الفاتحتان، فاتحة الوحي “إقرأ باسم ربك الذي خلق” وفاتحة الكتاب “الحمد لله رب العالمين” فالاستفتاح بسم الله استعانة والتلاوة بحمد الله عبادة، فالحمد كله لله حقيقة واستحقاقا واستغراقا والله هو الحق المبين وهو بائن من خلقه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ورب للعالمين وإله له الخلق الأمر، الخلق (غيبا وشهادة) مادة ومُدّة ومَدَدَا ونواميس وسُننا، والأمر (شرعا وقدرا) والشرع وحيا وهديا، والقدر على ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ وسطّره الحفظة في الصحائف وقضاه الله من المصائر.

    وختامه هو “مصير العالم”: بطيّ السماء كطيّ السجلّ للكتب وتبدل الأرض غير الأرض والسموات وقيامة الأموات وبرزوا لله الواحد القهار فإلى جنة أو نار، فإن كان مؤمنا فهو مُنعّم من الاحتضار إلى البرزخ إلى الحشر وصولا إلى الفردوس الأعلى، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

***

بقلم: أحمد محمود عمورة