القيم الحامية للأمم من الفناء – خطبة جمعة

بقلم الدكتور خالد حنفي

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فإن الإسلام دين العدل والإنصاف، فهو يرشد عموم المسلمين إلى الإنصاف بالنظر إلى القيم الإيجابية في الأمم الأخرى وضرورة التعلم منها، وفي هذا الحديث يعدد عمرو بن العاص رضي الله عنه مجموعة من القيم الإيجابية في الأمم الأوروبية، وقد رأينا هذه القيم فيهم كما تجلت وظهرت في أوقات الأزمات والشدائد كأزمة اللاجئين، وجائحة كورونا، فقد كان الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: فقال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ أي: هل أنت متأكد من هذه النبوءة الغريبة ، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ أي: أنهم لا ينفعلون بسرعة حتى لو كانت الدنيا مشتعلة حولهم، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، أي: ينهضون بسرعة من أي كارثة تصيبهم بينما باقي الشعوب تأخذ وقتاً طويلا وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، أي: أنهم يبادرون خصومهم بالهجوم السريع بعد أي هزيمة تلحق بهم، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، أي: هم أكثر الناس تبرعا لحاجات الضعفاء  وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ، أي: أنهم لا يسمحون لملوكهم أن يستبدوا ويطغوا، بل يواجهونهم ويمنعونهم من أن يظلموا شعوبهم” رواه مسلم : ونظرة سريعة على الأحداث والوقائع التاريخية القديمة والحديثة تؤكد إنطباق هذه الخصال على الأوروبيين التي وردت في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وذلك مثل النهضة الصناعية والتعميرية الكبرى لأوروبا بعد الحرب العالمية، والنهوض الاقتصادي وسرعة معالجة آثار الأزمة المالية العالمية الشهيرة، وظهور الجانب الإنساني للشعوب الأوروبية في أزمة اللاجئين الحديثة، ومنظومة التكافل الاجتماعي في ألمانيا تؤكد على تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعي ورعاية أصحاب الدخول الضعيفة وسد حاجاتهم الضرورية.

رسائل الحديث:

  1. قانون القيم لا يحابي أحداً: فالأمم التي تتمسك بالقيم مثل: العدل، والحرية، والشورى، والإنسانية مع الضعفاء تحمي نفسها من الأفول الحضاري، والتي تفرط فيها تعجل بزوال حضارتها وانتهاء ملكها.
  2. أهمية دراسة طبائع الشعوب وتاريخها لتحقيق الاندماج والتعايش الصالح مع أهلها: وعدم معرفة الطبائع والعادات للشعوب ينتج الإخلال بالتعايش والتواصل الحضاري.
  3. على مسلمي أوروبا الإسهام في حراسة هذه القيم: بالثناء عليها وإظهارها، والانضمام إلى كل مبادرة تدعمها، ورفض كل محاولة للعبث بها، بالمشاركة السياسية الفاعلة لمواجهة خطاب اليمين المتطرف المقوض لتلك القيم.
  4. الاستبداد أصل كل داء والحرية أصل كل دواء: لهذا كانت أهم خصلة توقف عندها عمرو ابن العاص: وأمنعهم من ظلم الملوك، فلا عجب أن نرى انتفاضة الشعوب الأوروبية ضد الظلم المتمثل في العنصرية بعد مقتل جورج فلويد.
  5. التريث وقت الفتن والأزمات: وتلك قيمة مهمة في عصرنا فإن سهولة تداول المعلومات ونشر الشائعات يوجب على العقلاء ضرورة التأمل والنظر فيما ينشر ويتداول، وعدم التعجل في بناء الأحكام والمواقف على معلومات وتصريحات غير موثقة أو مدققة علميا، كما هو الحال في تعاطي مع جائحة كورونا والتهوين من شأنها والتحذير من اللقاحات المضادة لها، مما يعرض حياة الناس للخطر والعدوى والموت وتأخير وقت الخلاص من الفيروس الذي أضر بالعالم كله.
  6. التعلم من السقوط بسرعة النهوض: ليست المصيبة أن ترسب أو تقع أو تهزم وإنما أن تستسلم للسقوط وتبقى فيه ندما وحسرة ولا تنشغل بكيفية النهوض والتعلم من سبب التراجع والهزيمة، فربما كان السقوط هو لحظة تصحيح المسار وبداية النجاح بأفضل مما لو لم يحدث الرسوب.
  7. عموم إنسانية الإسلام: إن المسلمين في الغرب يجب أن يكونوا في طليعة الأمم التي تعمل على إغاثة الفقراء والمعوزين ودعمهم دون نظر إلى دينهم أو عرقهم أو لونهم؛ لأن هذا العمل يعكس الجانب الإنساني في الإسلام، ويتناغم مع الثقافة الغربية والشعوب الأوروبية التي لا تتأخر عن التعاطف مع المنكوبين والمضارين من الكوارث حول العالم.

نسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يرفع الوباء والبلاء عن البشرية جمعاء. والحمد لله رب العالمين.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة