الخوف على الآخرين – تعليقاً على حادثة تحويل القبلة

مقدمة بين يدي الموضوع:

  1. من روائع الرعيل الأول وما امتازوا به خوفهم وإشفاقهم علي إخوانهم 
  2. من الناس من لا يُعرف إلا في موطن الخوف، ولكن ليس على نفسه بل على إخوانه 
  3. لكل خُلُقٍ أهله، وكلما اندثر الخلق أو تغيب صاحبه، فقدت البشرية جمالاً من جمالها، وارتدت ثوباً قبيحاً ليس لها.
  4. إن السيرة النبوية تُعلمنا مكامن الأخلاق الحميدة، وروعة اللحظات السعيدة، ونبل الغايات المجيدة.  
  5. أنا خائف عليك: كلمة جميلة خفيفة المحمل كثيرة التبعة، قل استعمالها يا ليتها ترجع. 

أولاً – حادثة تحويل القبلة وترسيخ ثقافة الخوف على الأخرين

–  البخاري ومسلم/ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ… وَأَنَّهُ «صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ» فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، … 

– وعَنِ البَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 

– وفي رواية أحمد عن ابن عباس: “وَلَمَّا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ، قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصْحَابُنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فنزلت…”

ثانياً – صور الخوف على الآخرين في القرآن الكريم

الصورة الأولى- خوف الله تعالى على رسله وعباده: 

” يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون”.

 “إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم “.

 ” يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين “

 ” لا تخف إنك أنت الأعلى ” 

” الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”

– قاعدة وآية ” فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ” ستة عشر مرة في القرآن

” فمن تبع هداي …”

” بلى من أسلم لله وهو محسن فله أجره ….”

” الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون …. “

” فمن آمن وأصلح …”

“يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آيتي فمن اتقى وأصلح….” 

“إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا …” 

الثانية –  خوف الرسل والأنبياء على العباد والأمم:

 ” لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم “

 ” وأن استغفرا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا …فإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير “

 ” وإلى مدين أخاهم شعيبا …إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ” 

الثالثة – خوف الملائكة علينا:

  الذين يحملون العرش ومن حوله … الآيات “

الرابعة –  خوف الوالدين على الأبناء:

” وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين “

 ” ونادى نوح ابنه يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ” 

” وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق ” 

الخامسة –  خوف الولد على والديه:

” يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا “

السادسة-  خوف الصالحين على أممهم:

” وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب “

 ” ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ” 

ثالثاً: بعض مواطن الخوف على الآخرين من خلال سنة الأمين  (صلى الله عليه وسلم) 

1 – الخوف من الفتور عن الأعمال الصالحة والقعود عنها :

أحمد/ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ أَنْ  تَمَلَّ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: ” اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: ” اقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: ” اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى”

2 – الخوف على الآخر من التنافس الدنيوي ونسيان الآخرة:

البخاري: عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، َقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»

3 – الخوف من الاتكال وترك العمل. 

أحمد/ عَنْ أَبِي موسى قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ: ” أَبْشِرُوا وَبَشِّرُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ، أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ” فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُبَشِّرُ النَّاسَ، فَاسْتَقْبَلَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَجَعَ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا يَتَّكِلَ النَّاسُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم .

4 – الخوف من الشهوات والمضلات: 

أحمد/ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى “

5 – الخوف على ضياع الثروة العلمية وما تحمله من ميراثها.

 البخاري / أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الوَحْيَ – قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ القُرْآنَ “، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَطُولَ الْأَمَلِ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَيُذَكِّرُ الدُّنْيَا، وَطُولُ الْأَمَلِ يُنْسِي الْآخِرَةَ، فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي

6 -الخوف على الأمة من المنافقين والمضلين:

– أحمد عن عمر/ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمَ اللِّسَانِ” 

– وعَنْ عُمَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْمُنَافِقُ الْعَلِيمُ، قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ الْمُنَافِقُ عَلِيمًا؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ، أَوْ قَالَ: الْمُنْكَرُ.

أَي كثير علم اللِّسَان جَاهِل الْقلب وَالْعَمَل اتخذ الْعلم حِرْفَة يتأكل بهَا وأبهة يتعزز بهَا يَدْعُو النَّاس إِلَى الله ويفرّ هُوَ مِنْهُ

7الخوف علينا من التزكية والرياء 

أبو داود/ عن أبي بكرة مرفوعا لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَلَا قُمْتُهُ كُلَّهُ قَالَ الْحَسَنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَافَ عَلَى أُمَّتِهِ التَّزْكِيَةَ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ أَوْ غَافِلٍ

أحمد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ” قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً “

رابعاً – الصور المعاصرة للخوف على الآخرين ومالات ذلك  

  1. الخوف على الآخر من عدم التوفيق في الدراسة أو العمل
  2. من مسيرته وحركته
  3. الخوف من تفلته وتخلفه
  4. الخوف من عزلته وعدم تواجده
  5. الخوف من تقييد حريته أو ترويعه
  6. الخوف عليه عند وقوع البلاء به من عدم تحمله وصبره
  7. الخوف عليه عند التضييق عليه في تعسير إقامته أو حمله على الهجرة
  8. الخوف على الأخر عند مصاحبته لقرين السوء وتركه الخل الصالح 

خامساً: مآلات الخوف على الأخرين:

– نموذج عملي لتعميق الحب الحقيقي

– دافع قوي لاستفراغ الجهد والمساعدات في إزالة الخوف عليهم

– ترسيخ ثقافة الاهتمام بالآخر

– شد العضدّ بالأخر وتقوية العود لتجاوز العقبات

– ادخار الشعور لك ” كما تدين تدان “

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة