الإنسان بين محمد (صلّى الله عليه وسلم) والمسيح (عليه السلام)

إن من يؤمنون بالمسيح عليه السلام، ومن يؤمنون بمحمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يجب أن يهبّوا اليوم جميعاً لحماية الإنسان، وحماية الحياة.
إن الإنسان هو محور الوجود كله .. كل شىءٍ سٌخِّر له، فالدين جاء من أجله، والوحي اتجه بالخطاب إليه، والقرآن والتوراة والإنجيل وكافة الكتب السماوية إنما تدور جميعها حوله.

ماذا قدم محمد صلي الله عليه وسلم ، والمسيح ابن مريم عليه السلام لهذا الإنسان،
1 – إنهما اشتركا في تحرير الإنسان من الجهل، ومن رواسب الرؤي المغلوطة، والأساطير الموروثة.
مثال ذلك: عنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : “كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاس كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ” متفق عليه.
كان يمكن- لو لم يكن نبياَ رسولاً- أن يصمت ويدع المقولة تنتشر، ولكنه لا يفعل لأنه نبي أولا، ولأن واجبه تعليم الإنسان الحقيقة، وتصحيح النظرة ثانيا.
ويدخل المسيح ابن مريم على البنت وهي تعالج سكرات الموت، وأهلها حولها ينوحون، ويضجون، فيلقي عليها نظرة طاهرة، فيتحرك الجسد تحت غطائه، ويتحول الحزن الي فرح ودهشة، فيقولون : إن المسيح أحياها – لكن الصادق العظيم يقول لهم “إنها لم تمت، لقد كانت نائمة”

2 – وفي مجال رعاية الإنسان وتكريمه.
يقول القرآن الكريم “ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيماً وأسيراً”
ويقول المسيح عليه السلام “روح الرب مسحني لأبشر المساكين، وأرسلني لأشفي منكسري القلوب، ولأنادي للمأسورين بالانطلاق”
انظروا إلي التوافق بين السيد المسيح و نبينا الكريم، المسألة كلها تكمن في كرامة الإنسان، وتحريرالإنسان في مجتمعات تنتهك حقوقه وكرامته.

لقد خاض المسيح -عليه السلام- معركة كبيرة مع أولئك الأشراف والنبلاء ليزجر غرورهم، ويكسر كبرهم، ويفتح أعينهم علي آثامهم ومظالمهم، وليشجع المستضعفين الذين يترنحون منهم، ولقد فعل وقام بالواجب، ومن أجل ذلك أوذي وعودي، وقد فعل محمد عليه الصلاه والسلام نفس الشئ إلا انه كان أكثر انتشاراً وتأثيراً.

(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۝ فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۝ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ۝ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ۝ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ۝ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ)
كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول “ابغوني في ضعفائكم” (رواه أبو داوود) يعني اطلبوني تجدوني مغ الضعفاء، وكان يأتي عليه الشهران ما يُوقَد في بيته نار … لا يأكل هو وأهل بيته إلا التمر والماء، فإذا وجد غير ذلك بدأ بالمساكين والفقراء، حتي ابنته فاطمة لم يكن يبدأ بها، وكانت ترضى وتصبر، لأنه هو وأهل بيته كانوا أول من يجوع إذا جاع الناس، وآخر من يشبعوا إذا شبع الناس، وكان منهاجه تكريماً للعمل الكادح، وإعزازاً للبساطة، وتوقيراً للفقراء والضعفاء.

  • كان عيسي يقول: “من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا “
  • وكان نبيناً يقول: “من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن له فضل مال فليعد به علي من لا مال له ..” صحيح مسلم

3 – وفي مجال حقوق الإنسان
يقال : إن للإنسان حقوقا كثيرا لابد من صيانتها ، حتي يستطيع القيام بدوره علي هذه الأرض وعلي رأس هذه الحقوق حق معاشه وحق كرامته وضميره .


فأما حق معاشه
فكان عيسي عليه السلام يصيح بكلمات لاهبة علي أولئك الذين يستحلون عرق الكادحين وحقوق العاملين كان يقول (يأكلون بيوث الأرامل ولعلهم يطيلون الصلاة ، يظلمون الفعلة والحصادين بينما صياحهم قد يصل إلي رب الجنود)
يشير إلي وكلاء روما وتجار اليهود ورؤساء الكهنة ، وكانوا سواء في التآمر علي عرق الكادح ولقمة الجائع.
وكان نبينا يقول (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجه وصححه الالباني وكان يسامح الناس في حق نفسه وفي الذنب الذي بين العبد وربه يشرع التوبة ، أما ما يتعلق بحقوق الناس فكان لا يقوم لغضبه شيء.

وأما عن حق كرامته وضميره
فقد أتي عيسي عليه السلام ليجد الضمير الإنساني وقد وضعت عليه الأغلال، فكل سكينة نفس، وكل طمأنينة قلب، وكل مغفرة ترتجي، وكل حرية تراد، كان الكهنة يتقاضون عليها الأجر
كل عطاء ديني بثمن، دخول الهيكل بثمن، التماس البركة بثمن، الصلاة للرب بثمن، فيتقدم المسيح عيسي ابن مريم ليحرر ضمير الإنسان ويعيد إليه كرامته.
بدأ فأنقذ الضمير من وطأة المساومة فكان يقول للكهنة وعامة الشعب (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) يقصد تلك المرأة المخطئة التي أرادوا عقابها، وكان يقول: مكتوب إن بيتي بيت صلاة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.

وقال محمد -صلي الله عليه وسلم- عن المرأة الغامدية التي أخطأت: (لقد تابت توبة لو وزعت علي أهل المدينة لوسعتهم) صحيح مسلم، وكان يقول: (إن الله لم يأمرني أن أشق علي صدور الناس لأري ما فيها)، وكان يشجع الضمير الإنساني علي الانطلاق في بساطة ويسر مع تحمل المسؤولية (يافاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا) البخاري ومسلم
كان الناس يخافون من الأصنام الصماء ومن كسري وقيصر فجاء محمد بن عبد الله فأخذ الناس من أمام هذه الأصنام ومن بين أيدي القياصرة المعبودين وقال لهم (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)… إذا كنتم تريدون الله المعبود بحق فانطلقوا نحوه.


وعلي الجملة أيها الإخوة والأخوات فإنما جاء عسي ومحمد عليهما الصلاة والسلام وجميع الأنبياء من قبلهم ليصححوا المفاهيم، ويصلحوا المفاسد، ويحلوا المشاكل، ولينبهوا علي حقوق الأنسان وواجباته، وليكرموا المرأة والطفل واليتيم والمسكين، ولينشروا العلم والعدل والسلام.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة