الأضحية في الغرب وترسيخ المواطنة والهوية

د. خالد حنفي

د. خالد حنفي

من الشعائر الظاهرة التي ترسخ هوية المسلمين في الغرب شعيرة الأضحية، واستمساك المسلمين بها وحرصهم عليها في الغرب مما يعمق هويتهم وانتماءهم لدينهم وأمتهم، كما تعكس شعيرة الأضحية وذبحها حيث يقيم المسلم الأوروبي قيمة المواطنة والموازنة المنضبطة بين الانتماء للدين وللمجتمع الأوروبي الذي يعيش فيه، ومن الظواهر الآخذة في الانتشار بصورة كبيرة بين مسلمي أوروبا، التوسع في التوكيل بذبح الأضحية خارج أوروبا إما في بلدانهم الأصلية بواسطة أقاربهم، أو في البلدان الأكثر فقراً وحاجةً بواسطة المؤسسات الإغاثية، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها: 

1. قلة الفقراء والمحتاجين فى أوروبا، مقارنة بخارجها، والاعتقاد بأن المقصد الأعظم من الأضحية هو مساعدة الفقراء وليس إحياء سنة أبينا إبراهيم والاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم والوقوف على المقاصد والمعاني الكامنة في التضحية والذبح. 

2. تفريق كثير من المسلمين في النظر إلى تخدير ذبيحة الأضحية والذبائح على مدار العام، وهذا خطأ لأنه إذا صح أكل الحيوان المسبوق ذبحه بالتخدير في غير ألاضحية صح ذبحه وجاز أكله بالتخدير في الأضحية.

والأصل أن تذبح الذبيحة دون تخدير أو صعق إذا سمح بذلك القانون فى بلد المضحي، أما إذا لم يسمح القانون بالذبح دون تخدير فيجب الالتزام بالقانون، والذبح صحيح ما لم تمت الذبيحة من التخدير. وهذا يعني أن ذبح الأضحية المسبوق بالتخدير مشروع ومجزيء ومحقق للسنة ما لم يتسبب التخدير في الموت وهو ما يمنعه القانون وتحرص على مراقبته المجازر الإسلامية في الغرب.

3. عدم توفر الوقت للذبح خاصة إذا وافق يوم العيد يوم عمل، وميل أغلب الناس للذبح يوم العيد، رغم صحته وسعته حتى رابع أيام العيد. 

ومع استمرار الكوارث واتساع رقعة الفقر وكثرة المعوزين في العالم العربي والإسلامي لا يكاد ينتهي سبب التوكيل خارج أوروبا في الأضحية. 

لهذا أدعو المسلمين، والأئمة والمراكز الإسلامية في أوروبا إلى الذبح حيث يقيمون مع رعاية الشروط الصحية والقانونية فى الذبح قدر الإمكان، وحث الناس على التصدق بالمال في بلادهم والبلدان الفقيرة أو الجمع بين الأضحية في أوروبا والبلد الأصلي أو الأشد حاجة، ويمكن أيضا الموازنة بالأضحية عاما بعد عام بين الشرق والغرب وعدم التزام الذبح كل عام خارج موطن إقامة المسلم توكيلاً أو تحويلاً؛ وذلك لما يلي: 

1. الأصل فى الأضحية أن يذبحها المضحى بنفسه وأن لا يوكل غيره بذبحها إلا استثناء، فإن وكل غيره شهد ذبحها، ورغم مشروعية التوكيل إلا أنه يجب أن لا يصار إليه إلا استثناء، وما يحدث في أوروبا الآن هو تحول الاستثناء إلى أصل وقاعدة، وتوكيل مؤسسة بالذبح في أوروبا خير من توكيلها خارجها؛ لأن العائلة تأكل من لحمها وتعيش معانيها، ويهدي الجيران منها مسلمين وغير مسلمين، كما تقوى الروابط الاجتماعية بين المسلمين بالاجتماع على طعامها أو الإهداء منها.   

2. التوسع في التوكيل بذبح الأضاحي خارج البلاد يترتب عليه اختفاء الشعيرة في الجماعة المسلمة، ونشوء أجيال لا تعرف هذه الشعيرة ولا تحرص عليها، بل تتأفف من الذبح وتنفر من الدم، وهو مآل واقع لا متوقع. وقد حدثني عدد من المسلمين في ألمانيا أن أولادهم لا يسمعون عن شعيرة الأضحية، وأضاف بعضهم أنه يحرص على قضاء عيد الأضحى في بلده ليشهد أولاده الأضحية معه رغم إمكان ذلك في الغرب بشىء من حسن التنظيم والتعاون.

3. القصد الأعظم من الأضحية هو إحياء الشعيرة والاقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام وليس التصدق على الفقراء، ولعل أرجح الأقوال في المسألة رأي الحنفية والمالكية الذين ذهبوا إلى أن التصدق من الأضحية مستحب وليس بواجب. 

4. الاستمرار في التوكيل بالأضحية خارج أوروبا يفوت مقاصد الأضحية وشعيرتها الكلية والجزئية.

5. التوكيل في الأضحية خارج بلد المضحي يفوت مقصد التواصل مع الجيران من المسلمين وغير المسلمين وإعطائهم من الأضحية وإظهار قيم التسامح والتعاون والبر والصلة، ومحو الصور السلبية والأحكام المسبقة عن المسلمين. 

وظني أنه بوسع أغلب المسلمين في أوروبا أن يجمعوا بين الأضحية والصدقة، أو تحقيق الموازنة بين المساهمة في توظيف الأضحية في تخفيف معاناة المحتاجين في البلدان الفقيرة، وبين إحياء الشعيرة حيث يقيمون في الغرب. 

وكل ما ذكرت لا ينفي صحة التوكيل في ذبح الأضحية خارج أوروبا بشرط أن لا يؤدي تكراره كل عام إلى ذهاب الشعيرة وانعدام المضحين في أوروبا رغم يسارهم. 

والله أعلم

وكتبه 

د. خالد حنفي 

رئيس لجنة الفتوى بألمانيا 

الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث