Posted on

الإمام الأوروبي: إمامة الناس عقد مسؤول

الإمام الأروبي: إمامة الناس عقد مسؤول

بقلم فضيلة الشيخ الهادي بريك

أخرج إبن ماجة وإبن حبّان وغيرهما عن إبن عباس أنه قال عليه الصلاة والسلام (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أمّ قوما وهم له كارهون وأخوان متصارمان وإمرأة باتت وزوجها عنها ساخط).

يتجه الخطاب الإسلامي من قرآن وسنة في الأعمّ الأغلب بمعنى الإمامة إلى الإمامة العامة وهي التي نسميها نحن اليوم بعرفنا الإمامة السياسية وهو أليق بالخطاب القرآني الذي يقصر تعاليمه في الأغلب على الكليات الكبرى التي تؤمّن للناس ثباتهم على الصراط المستقيم وإنما جاء الخلط من بعد إنفصال السلطان السياسي في أمتنا مبكرا عن السلطان الإجتماعي فأضحى الإمام فينا هو إمام الصلاة ولا سبيل لشروط الإمامة وقيمها التي وردت بها التعاليم الإسلامية على الإمامة السياسية أو الإمامة العامة في الناس.

يعلّمنا النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام أن الإمامة في الناس عقد مسؤول حتى إن الذي يؤمّ الناس كرها في صلاتهم كمن يحكمهم كرها في شأنهم العام بل إن إمامة الصلاة أولى بذلك التعاقد والحقيقة أن الإسلام إنما بنى نظامه كلّه على التعاقد ناهيك أن الإيمان والتوحيد عقد مسؤول بين الله سبحانه وبين عبده فلا يكرهه عليه وهل أصرح في ذلك من قوله في الآية المكية من سورة الكهف (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)؟ وعلى ذلك المنوال التعاقدي جرت تكاليف الدين ولفرط فقه الصحابة كانوا يسمون سورة المائدة سورة العقود ولك أن تفخر حتى تطأ الثريا بدين قوامه العقود بين الله وبين الناس وبين الناس بعضهم مع بعض ومن ذلك أن عقد الزواج يفسخ بلا قيد ولا شرط إذا أسّس على إكراه وعندما تجري الحياة في الإسلام على أساس العقود فإن الإنسان يضمن حريته وكرامته وحرمته.

إمام الصلاة طرف في عقد مسؤول بينه وبين من يؤمّ حتى إنه مهدد بإحباط عمله إذا إغتصب حقّ الناس فتسلط عليهم إماما بغير رضاهم ذلك أنه قدوتهم في أخلص عباداتهم ويتلو عليهم آيات الله سبحانه. ألم يقل عليه الصلاة والسلام أن العلماء ورثة الأنبياء؟ أليست وظيفة النبوة هي تلاوة الآيات (يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة )؟ أليس هو من يفتيهم في دينهم؟ أليس هو من يعتلي المنبر مرة كل أسبوع فيخطب فيهم ولا يحقّ لأيّ منهم أن ينبس ببنت شفة توقيرا لجلالة الموقف وهيبة الدين؟ هذا الموقع ما ينبغي أن ينتسب إليه عدا من شاع خلقه الطيب وريحه الذكيّ حتى إرتضاه الناس لهم إماما.

لا مكان للإكراه في هذا الدين في أي موضع من الحياة. ليت شعري إذا كان وليّ النعمة الأعظم سبحانه نأى بنفسه أن يكره عباده عليه هو وهو الحق المبين الذي ليس بعده إلا الضلال المبين فأنى لغيره أن يكره الناس على شيء؟ كلّ ذلك من جانب الإمام ذلك الطرف المسؤول في العقد. فما شأن الطرف الثاني أي المأموم؟ مسؤولية المأموم هي بذل النصيحة التي لقيمتها العظمى إختصر عليه الصلاة والسلام الدين كلّه فيها إذ قال (الدين النصيحة) ومن مواضع النصيحة هنا تصحيح الإمام إذا أخطأ قراءة أو عملا في الصلاة. ألم تنبر لتلك المهمة إمرأة في زمن الفاروق إذ إعترضت عليه وهو فوق المنبر يدعو إلى تيسير النكاح بالتخفيف من المهور؟ إنما يكتسب الإمام حصانته وهو فوق المنبر بشرط الإلتزام بمادة العقد فإذا خالفه فلا حصانة إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الإمامة عقد مسؤول بل هي وشائج حبّ قال فيها عليه الصلاة والسلام (خير أئمتكم الذين يحبونكم وتحبونهم ويصلون عليكم وتصلون عليهم) أي دعاء بالخير متبادل بين طرفي العقد المسؤول: الإمام والمأموم. دعنا نختم بمحاولة فحص الصورة العامة لهذا الحديث حتى نتبين الخيط الناظم بين هؤلاء الثلاثة الذين لا تقبل صلاتهم. ألا تجد بيسر أن الخيط الناظم بينهم هو الوفاء بالعقد المسؤول بينهم؟ فمن تنكب الوفاء بذلك العقد منهم فهو مهدد بإحباط العمل. لا بل بإحباط الصلاة خير العمل ومن حبطت صلاته حبط كل عمله بلا ريب. الإمام المغتصب للإمامة مخالف لتعاليم الإسلام وقوامها التراضي والتشاور والأخوان المتصارمان (وفي رواية العبد الآبق) ناشزان في وجه تلك التعاليم التي جاءت بخفض الجناح والتكافل والتعاون ومثل أولئك وهؤلاء المرأة التي تهدد الأسرة ـ حافظة الأمة الكبرى ـ بالتصدع.

هي جبهات ثلاث إمّا أن تشيّد على الرضى أو فلا رفعة لعبادة: الإمامة بكل معانيها وفي كل مواقعها والأسرة وإجتماع الناس.

والله أعلم