أولى الناس في تعاملك معه بالرحمة، هو (أنت)

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وبعـــــــد:

أيها المسلمون: تحدثنا عن اسم الله العظيم (الرحمن)، ولأهمية هذا الاسم العظيم، وهذه الصفة الجليلة، نواصل الحديث في

الفرق بين الرحمن والرحيم

الرحمن: ذو الرحمة الواسعة، أي: أن الرحمة صفة لله تعالى قائمة به- جل وعلى- شاملة لكل المخلوقات، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: (ألا ترى أنهم يقولون غضبا للمتلئ غضبا، وندمان للمتلئ ندما، وحيران للمتلئ حيرة)،

فالرحمن: ستة حروف عربية، والرحيم: خمسة حروف، والعلماء يقولون زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، قال الله تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء» (156- الأعراف)، وقال تعالى: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» (5 – طه).

  قال ابن القيم: (فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات).

الرحيم: أيضا يدل على أن الله متصف بالرحمة، ولكن رحمة خاصة بمن شاء من عباده، فالرحيم دال على تعلق الرحمة بالمرحوم، فيظهر أن الرحمن: دال على الوصف، والرحيم دال على الفعل، قال الله تعالى: «وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» سورة الأحزاب

الرحمن: الرحمة صفته، الرحيم: أنه يرحم خلقه.

ودين الإسلام دين الرحمة، وهو قائم كله على طاعة الحق والإحسان إلى الخلق، فمن كان بالدين أعلم، كان بالخلق أرحم، ومن كان للدين أعرف، كان بالخلق ألطف.

قال ابن تيمية: (الدين كله يدور على الإخلاص للحق، ورحمة الخلق).

وهنا نذكر بعض الأمور المهمة التي ينبغي على العبد أن يتبعها، وتكون عونا له في رحمته لنفسه، بجلب رضا ربه والفوز بالجنة والنجاة من النار.

  • اطلب الحق تجد أهله:

حين يستسلم القلب لخالقه- سبحانه وتعالى- يبحث بكل السبل لرضاه والاهتدى بهداه يوفقه الله ويعينه ويلهمه:

قصة ذي البجادين:

ذو البجادين تربى في حجر عمه، فنازعته نفسه إلى الإسلام، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك فلا أراك تريد محمداً فائذن لي في الإسلام، فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك حتى ثوبيك!، فصاح لسان عزيمته: نظرة من محمد عليه الصلاة والسلام أحب إليّ من الدنيا وما فيها، فجرده عمُه من كل شيء حتى الثياب، فناولته أمه بجادًا لها، فقطعه نصفين، فاتزر نصفًا وارتدى نصفًا. وأتى رسول الله، فقال: ما اسمك؟ قال: عبد العزى، فقال: بل عبد الله ذو البجادين، «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ» (17- محمد)، «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (69 – العنكبوت)

فارحم نفسك بالاستسلام التام لله سبحانه وتعالى، فإن بعض الناس يجعل بينه وبين عباد الله الصالحين مفاصلة ومقاطعة، بل بعضهم ينصح أصحابه بعدم الذهاب للمسجد ويصفهم بأوصاف لا تليق، وهذا يعتبر صادا عن سبيل الله ظالم لنفسه لا يرحمها، قال الله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَ ۚ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (114 – البقرة).

 فارحم نفسك باتباع الدين وأسلم وجهك لرب العالمين، قال تعالى: «ومَن أحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهو مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلً» سورة النساء، ذو البجادين أسلم وعمره 16 سنة، ومات وعمره 23سنة، وأضجعه النبي ﷺ  في قبره ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: «اللهم إني أمسيت راضياً عنه فارضَ عنه» (تخريج أحاديث فتح الباري)، وخلد ذكره في السنة، لأنه أحب صاحبها واتبع هديه وكان يشتاق للنبي ﷺ: ، وهكذا هم المحبون للنبي محمد- صلى الله عليه وسلم-:

كُلُّ القلوب إلى الحبيب تميلُومعي بهذا شاهدٌ ودليـــلُ
أما الدليلُ إذا ذكرت محـمداًصارت دموعُ العارفين تسيلُ
  • الغلظة صفة الأشقياء والرحمة صفة الأتقياء:

حين تنعدم الرحمة من القلوب وتحل القسوة بدلاً منها، فإنها تصبح مثل الحجارة أو أشد قسوة، قال تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» (47 – البقرة).

ولن ينال رحمة الله يوم القيامة إنسان فظ قاسى الطبع، نزعت من قلبه الرحمة، قال رسول الله ﷺ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ» سنن أبي داوود

ومَن نُزعت الرحمة من قلبه فقد خاب وخسر، قال رسول الله ﷺ -: «خَابَ عَبْدٌ وَخَسِرَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةً لِلْبَشَرِ» صحيح الجامع.

  • فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون:

بعض الناس ينقصهم العلم بأحكام الشريعة، ما يحل وما يحرم، ما يرضي الله ومايسخطه ويغضبه، والله سبحانه وتعالى قد أرشد الجميع إلى الاهتمام بالعلم والذي لا يعلم، أرشده إلى السؤال ولا يخجل في أن يسأل عما يفيده في دينه ودنياه، قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (7 – الأنبياء).

  • لا تتكبر عند سماع الحق واقبله ممن أفادك به ولو كان أقل منك منزلة:

إبليس إنما طرد من رحمة الله لآنه لم يستجب لأمر الله، وكذلك كل من يرفض الحق ولا يقبله ويسمع آيات الله ولا يتبعها، قال تعالى: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ(146 – الأعراف)  وقال ﷺ: «الكبر بطر الحق، وغمط الناس» صحيح مسلم، فمن يرحم نفسه ويرجو نجاتها يقبل الحق ولو جاءه ممن هو أقل منه علما.

اللهم اهدنا وهد بنا واجعلنا ممن اهتدى، وبالنبي محمد ﷺ اقتدى واهتدى.

الشيخ أحمد الخضمي

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة