ندوة أصول الاجتهاد لفقه النوازل تأصيلا وتنزيلا

تقرير وخلاصة الندوة الفقهية لهيئة العلماء والدعاة بألمانيا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد،
فقد عقدت هيئة العلماء والدعاة بألمانيا ندوة علمية حول موضوع : { أصول الاجتهاد في فقه النوازل تأصيلًا وتنزيلا } وذلك يوم الأحد 21 فبراير 2021 م عبر وسيلة الزووم التواصلية وبحضور ما يقرب من 200 مشارك من العلماء والأئمة وطلاب العلم والباحثين .

المحاضرة الأولى
مقاصد الشريعة وأثرها في فقه النوازل
فضيلة الشيخ سالم الشيخي

عناصر المحاضرة:

  1. السمت العام الذي يغلب على الفتوى اليوم:
  2. حرق المراحل التي ينبغي اتباعها للنظر والاجتهاد في مسألة معينة.
  3. استعجال النتائج الفقهية قبل مراحل التصور الصحيح.
  4. عدم بذل الجهد الكافي في مراحل الاستنتاج والاستنباط في المسائل المتعلقة بالنوازل.
  5. التعريفات:
    المقاصد وتسمى أيضاً بحكمة التشريع، وهي الغايات التي وضعتها الشريعة لأجل تحقيق مصلحة العباد.
    أما النوازل فهي جمع نازلة، وهي كل ما لم يرد له ذكر لا في النصوص الشرعية ولا في أحكام الفقهاء.
    وأما حكم الاجتهاد في النوازل فهو فرض كفاية يتعين على بعض أهل الاختصاص.
  6. أهمية هذا العلم:
    ترجع أهمية هذا العلم لعدة أمور أبرزها أمرين اثنين:
    الأول: ابراز صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان إذ باستطاعتها التعامل مع كل جديد نازل.
    الثاني: الحديث عن فقه النوازل هو مظهر من مظاهر التجديد الذي تتم الدعوة اليه بين الفترة والأخرى.
  7. أركان فقه المقاصد:
    يمكن اختصار أركان فقه المقاصد بأمرين اثنين، لا بد للمجتهد من فهمهما فهما عميقاً دقيقاً:
    الأول: يتعلق بقصد الشارع.
    الثاني: يتعلق بقصد المكلَّف.

أما فيما يتعلق بقصد الشارع فيمكن أن يؤول إلى أربع مقاصد أساسية، هي:
1.القصد الابتدائي للتكاليف الشرعية، ومرجعها لحفظ أمرين اثنين: حفظ الكليات الخمس، وحفظ المصالح الثلاث.
2.القصد الإفهامي والذي غايته أن تكون هذه التكاليف مفهومة بالنسبة للمكلَّفين.
3.القصد التكليفي والذي يلحق القصد الإفهامي بغية التيسير على المكلَّف أداء التاكليف.
4.القصد التعبدي أو الامتثالي والذي يقصد أن يقوم المكلّف بالتعبد لله اختياراً وفقاً لمراد الشرع.

5.العلاقة بين الاجتهاد الأصولي والاجتهاد المقاصدي:
تظهر العلاقة المتينة جلياً بين الاجتهاد الأصولي والاجتهاد المقاصدي مما يلي:
1.المقاصد في أصلها جزء من منظومة الاجتهاد الأصولي، ولذلك أعاد الشاطبي المقاصد الى البنية الأصولية. وذلك بقصد تحصيل المجتهد وصفين اثنين:
أ. يتعلق بالفهم
بـ .يتعلق بالتطبيق والتنزيل

2.لا يمكن للمجتهد الاستدلال بالأدلة الجزئية دون أن يستبطن المقاصد الكلية أو المقاصد الشرعية.

وهذا يدفعنا الى الحديث عن المهارات التي لا بد للمجتهد أن يتحلى بها قبل أن يستنبط الأدلة الجزئية، وهي سبع مهارات:
1.مهارة الإلحاق بالكليات الخمس.
2.مهارة الإلحاق بمراتب الإلجاق الثلاثة
3.مهارة الموازنات بين المصالح والمصالح
4.مهارة الموازنات بين المصالح والمفاسد
5.مهارة الموازنات بين المفاسد والمفاسد
6.مهارة اعتبار المآل أو فقه المآلات
7.وأخيرا مهارة تحقيق المناط
فامتلاك هذه المهارات هي التي تمكن المجتهد من اعتماد الكليات في الاستنباطات الشرعية.

6.أثر المقاصد في اجتهاد النوازل:
تمر النوازل قبل إصدار الحكم فيها، بمسار متعدد المراحل عند المجتهد. فتبدأ هذا العملية الديناميكية
بالمرحلة الأولى: وهي مرحلة التصور الواضح للنازلة، وهي مرحلة دقيقة تؤثر على الحكم بشكل مباشر. ولوضوح الصورة مسالك متنوعة كأن يسأل المجتهد أهل التخصص أو يقوم بزيارات ميدانية متعلقة بالنازلة…
المرحلة الثانية: هي مرحلة التوصيف، حيث يتمكن المجتهد في هذه المرحلة وضع النازلة بالمكان المناسب لها على الخريطة الفقهية.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الاستدلال والاستنباط، وهي المرحلة التي يتعلق فيها المجتهد بما يسمى بباب الأدلة، وفي هذه المرحلة يأتي أثر المقاصد، إذ ينبغي على المجتهد هنا التقيد بثلاث مراتب من مراتب المقاصد، هي:

  • أن يكون مستحضرا للمقاصد العامة في كل أبواب الفقه.
  • أن يستحضر المقاصد الخاصة المتعلقة بذاك الباب.
  • استحضار المقاصد الجزئية في تلك المسائل وهو ما يسمى بالمقاصد الجزئية.
  • ثم تكون المرحلة الرابعة : والتي هي مرحلة التنزيل أو مرحلة تحقيق المناط، كأن يكون مناطاً عاماً أو أن يكون مناطاً خاصاً متعلقاً بفرد دون غيره. وفي هذه المرحلة تظهر أخطر أنواع المقاصد، لأن فقه المقاصد هنا سيعين المجتهد على إطلاق الحكم النهائي لنازلة من النوازل.

7.خلاصة أثر فقه النوازل:
يمكن اختصارها بثلاثة أمور:
أولا: تعين المفتي في اجتهاداته.
ثانيا: يقرب المجتهد من مقصد الشارع الأصل.
ثالثاً: إن الالتزام بالمقاصد وفق أهل العلم يضيق دائرة الاختلاف.

المحاضرة الثانية
فقه الوجود الإسلامي في الغرب وعلاقته بفقه لنوازل
فضيلة الشيخ كمال عمارة

عناصر المحاضرة:
1.التعريفات:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحاً العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
وأما فقه الواقع فهو العلم بمقومات وخصائص الوجود الإسلامي في البلاد الغربية والصعوبات التي تعترضه، والقدرة على التفاعل الإيجابي معها.

النوازل جمع نازلة وتعريفها ـ لغة: قال ابن فارس: النون والزاء واللام كلمة تدل على هبوط شيء ووقوعه.
وأما فقه النوازل: فهو دراسة الحوادث المستجدة واستنباط أحكامها الشرعية من خلال منهج فقهي يجمع بين العلم بالشرع والفهم للواقع.

2.علاقة فقه الوجود الإسلامي في الغرب بفقه النوازل:
إن علاقة فقه النوازل بفقه الواقع عموما هي علاقة الجزء بالكل، ففهم الواقع والاطلاع على ملابساته يحقق مقاصد التشريع ومصالح المكلفين، بل إن الخصائص العامة للإسلام كالعموم والشمول تقتضي استجابة الفقه لمستجدات الواقع ونوازل كل عصر. وقد كان هذا الارتباط الوثيق بين فقه النص وفقه الواقع أحد أهم العوامل التي ساهمت في ازدهاره في العصور القديمة. وهو ما عبر عنه ابن القيم بقوله:” ولا يتمكن المفتي أو الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
الأول، فهم الواقع والفقه فيه
الثاني، فهم الواجب في الواقع، أي فهم النص؛ ثم يطبق أحدهما على الآخر.
(ويشير ابن القيم هنا إلى عناصر العملية الفقهية الأساسية وهي، فقه النص وفقه الواقع وفقه التنزيل)

1.فقه النص:
هو دراسة النص الشرعي دراسة أولية مجردة من حيث الورود ومن حيث الدلالة بناء على القواعد الأصولية اللغوية والقواعد الأصولية التشريعية.

2.فقه الواقع:
والمقصود في هذا المجال كل ما كان له تعلق بالاجتهاد الفقهي لإيجاد الأحكام الفقهية للحوادث المستجدة. فيتبين أن فقه الواقع لا يقتصر على اختصاص الفقهاء والأصوليين فقط، بل يشمل كل الاختصاصات المتعلقة بمجالات الحياة. وفي هذا النوع من أنواع الفقه يمكن تبيين مجالات فقه الواقع الأوروبي، باعتباره ينقسم إلى واقع عام وواقع خاص من جهة؛ وواقع كلي وواقع جزئي من جهة أخرى.
ولا شك أن امتلاك كل هذه الملكات والمعارف تقتضي تخصصاً في المجال الأوروبي وشراكة واسعة بين الحقول المعرفية وتوظيفها لخدمة عملية الاجتهاد الفقهي في نوازل الواقع الأوروبي، وهذا يتوفر غالباً في المؤسسات الفقهية الأوروبية وعلماء الشريعة المقيمين فيها، لذلك وجب تثبيتها كمرجعيات فقهية للمسلمين في أوروبا.

3.فقه التنزيل:
وهو تطبيق الحكم على الواقع أي خروج الحكم من إطاره النظري إلى إطاره العملي، ومن نطاق النص إلى نطاق الواقع، أو كما عبر عنه ابن القيم “هو المطابقة بينهما”.
ولعل تحقيق ابن القيم لفقه التنزيل يقربه من مفهوم تحقيق المناط، وقد كان هذا المصطلح ـ تحقيق المناط ـ قاصرا على مبحث العلة عند الأصوليين القدامى حتى جاء الشاطبي ووسع من مدلوله، وأخرجه من عملية جزئية لتعدية العلة إلى منهج واسع في تنزيل الأحكام ومراعاة الأحوال.

3. الخلاصة:

  • فهم الواقع عنصر أساسي من عملية الاجتهاد الفقهي وشرط لنجاحها.
  • فقه الواقع له اعتبار شرعي في نصوص القرآن والسنة والقواعد الكلية والممارسة الفقهية على امتداد التاريخ الإسلامي.
  • فقه الواقع في الغرب أشد أهمية وأكثر إلحاحاً.
  • أهمية التعمق في دراسة الواقع الأوروبي واعتبار ذلك شرطاً لنجاح الاجتهاد في إيجاد الحلول الشرعية للنوازل المستجدة فيه.
  • تثبيت المرجعيات الشرعية الأوروبية.

المحاضرة الثالثة
الكليات التشريعية وأثرها في فقه النوازل والجوائح (كورونا نموذجا)
فضيلة د. خالد حنفي

1.مبدأ الكليات التشريعية وأثرها في فقه النوازل:

إن التمركز حول الفروع والجزئيات في محاولة لإطلاق الأحكام الشرعية على النوازل والوقائع، يُعتبر إشكالية قديمة نظر لها عدد من الفقهاء والكتاب كالطاهر ابن عاشور الذي انتقد التركيز على الفروع والجزئيات وحصر مسائل الفقه فيها، وهو ما كان سبباً في تخلف علم الفقه حسب تعبيره. كما تحدث عن هذه الإشكالية الأستاذ مالك بن نبي حيث ذكر أن العقل المسلم متهم من قِبل الغربيين بصفة الذرية، أي: عجزه عن التعميم ونزوعه دائما إلى تجزئة الإشكالات بحيث يتناولها ذرة ذرة.

وعلى الرغم من أهمية الجزئيات واعتبارها في المسائل الفقهية، إلا أنه لا بد للمجتهد اليوم من اعتماد مبدأ الكليات التشريعية ورد هذه الجزئيات إليها.
وقد عالج الفقهاء قديما هذه الإشكالية بعلم القواعد الفقهية، حيث أرادوا من خلال هذا العلم نظم الفروع وردها إلى كلياتها المتمثلة في هذه القواعد الفقهية الكلية سواء المتفق عليها أو المختلف عليها.
ثم لما استمرت اشكالية التمركز حول الفروع والجزئيات، حتى عالجها المعاصرون اليوم بعلم النظريات الفقهية، وهو علم يأخذ الدراسات الفقهية في الحكم على الفروع والجزئيات من خلال النظرة الكلية الشاملة أو الكليات التشريعية سواء للشريعة ككل أو لمنظومة الأحكام الفقهية ككل أو لحقل من الحقول أو موضوع من الموضوعات النازلة.
أما عن النتائج المترتبة على التمركز في الفروع والجزئيات، فإن ذلك يُحدث خطأ في فهم هذه الإشكالية وبالتالي خطأ في الحكم عليها، إذا ما تم تجنب مبدأ الكليات التشريعية المؤثرة على الحكم في هذه العملية أو تجريد الواقعة عن السياق والمحيط الخاص بها.

2.الكليات التشريعية العامة وأثرها في إطلاق الأحكام:

المقصود بالكليات التشريعية هي: الأصول الكلية الثابتة باستقراء النصوص الشرعية الجزئية والجارية على تصرف الشارع في شرع الأحكام بحيث لو عرضت على قوانين الشرع لوافقتها، كمبدأ حرية الاعتقاد مثلا، والتي هي كلية تشريعية استخرجت من النصوص الجزئية في القرآن الكريم والسنة المطهورة، فهذه الكلية الشرعية يجب أن تكون حاكمة على أي نص جزئي متعلق بهذه المسألة أو على أي حكم اجتهادي أو أي فرع فقهي فيها، وذلك لغلبة الكليات عند الاستدلال والنظر على النصوص الجزئية. فإذا ثبت التعارض فعلا بين نص جزئي وأصل كلي لزم في هذه الحالة التأويل والجمع بين هذين المتعارضين في الظاهر لا الحقيقة. كمعاضرة النص الجزئي المتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم:” من بدل دينه فاقتلوه” للأصل الكلي وهو حرية الاعتقاد، ونفي التعارض يكون بالجمع بين الأمرين بطريق التأويل، فنقول: إن من بدل دينه ولم يقتصر على تبديل الدين بل ارتكب جرائم أخرى كحمل السلاح وانضمامه للجماعة المقاتلة للمسلمين، فيباح في هذه الحالة إنزال العقوبة به بسبب هذه الجرائم وليس بمجرد خروجه من الإسلام، فمنماط الحكم هو المحاربة لا الارتداد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلاء من قيمة الأصول الكلية في الاستدلال وتقرير الأحكام، لا يعني إهمال النصوص الجزئية أو التقليل من أثرها في استنباط وتقرير الأحكام. وهو ما اعتنى به الإمام الشاطبي في “الموافقات” بقوله: “من المحال أن تكون الجزئيات مستغنية عن كلياتها، فمن أخذ بنص في جزئيّ معرضاً عن كليّه فقد أخطأ، كذلك من أخذ بالكليّ معرضا عن جزئيه فهو منتهٍ إلى تلك النتيجة”
ويمكن عرض العلاقات الإجتماعية في السياق الأوروبي كنموذج على ذلك، فنقترح جملة من الكليات التشريعية الحاكمة والمؤثرة في باب العلاقات الاجتماعية مع غير المسلمين وتكون هذه الكليات هي الحاكمة والمؤثرة في كل أحكام الباب ونصوصه الجزئية وننتقل بهذا من مجرد تقرير الحكم الشرعي في فرع أو مسألة إلى رد تلك المسائل وما يستجد غيرها إلى تلك الكليات. والكليات الخمسة المقترحة في باب العلاقات الاجتماعية هي:

الكلية الأولى هي: كلية البر والعدل .
الكلية الثانية هي: كلية التعاون على البر والتقوى .
الكلية الثالثة وهي: كلية الفطرة الإنسانية .
الكلية الرابعة وهي: كلية الإحسان .
وأما الكلية الخامسة فهي: كلية البلاغ المبين .
وبناء على هذه المنهجية العلمية في إطلاق الأحكام في نازلة من النوازل، يمكن تطبيقها على باقي المستجدات والنوازل، كالمعاملات الاقتصادية وغيرها..

نموذج تطبيقي على كليات الجوائح والطواعين

أقول مثلاً: إن الكليات التشريعية الحاكمة على نوازل الطواعين والأوبئة ومنها جائحة كورونا يمكن حصرها فيما سيأتي، وأن تكون حاكمة على كل مسائل وفروع الباب ما وقع منها وما سيقع، فينضبط بذلك الاجتهاد ويسلم الفقيه من التناقض والاضطراب، وتستقيم عنده الفروع وتتسق مع الأصول وتظهر روح الشريعة وأبهتها في تلك الاجتهادات والفتاوى، وهذه الكليات قابلة للإضافة والإلغاء والنظر، فما يهمني هنا إقرار مبدأ النظر الاجتهادي وتفعيل الكليات مقابل الجزئيات في الاجتهاد والفتوى. والكليات المقترحة هي:

الكلية الأولى: حفظ الأنفس وتساويها .
الكلية الثانية : سلامة الإتيان بالمأمورات قبل حفظ ترك المنهيات .
الكلية الثالثة: وجوب الوقاية والتداوي .
الكلية الرابعة: رد الأمر إلى أهل التخصص .
الكلية الخامسة: تحقيق المناطات الخاصة والعامة .
الكلية السادسة: تفعيل فقه الموازنات ومبدأ تعظيم المصالح .
الكلية السابعة: الغالب كالمحقق والمتوقع القريب كالواقع
الكلية الثامنة: التقريب والتغليب

هذا وقد أعقب هذه المداخلات العلمية القيمة نقاشات وأسئلة من الحضور الكريم أجاب عنها المحاضرون في جو علمي ونقاش راق .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
هيئة العلماء والدعاة بألمانيا / فرانفكورت / 23 فبراير 2021

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة