أخوة محمد وعيسى عليهما السلام | د. خالد حنفي

د. خالد حنفي

د. خالد حنفي

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» أخرجه البخاري.

المعنى العام للحديث 

قوله صلى الله عليه وسلم أنا أولى الناس بعيسى: يعني أخص الناس به وأقربهم إليه؛ إذ لم يكن بين عيسى عليه السلام وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ولم يبعث بعد عيسى أحد سوى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، كما بشر عيسى عليه السلام بنبينا صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]. 

وقوله صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات: يعني أن الأنبياء إخوة لأب واحد وإن تعددت أمهاتهم فالأنبياء أصل دينهم واحد وهم جميعا دعوا إلى توحيد الله تعالى وإلى مكارم الأخلاق وفضائلها، فهم متفقون في أصول الدين وإن اختلفوا في فروعه وتفاصيله. 

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الصلة بينه وبين إخوانه من الأنبياء السابقين وأن شريعته متممة ومكملة ومصححة لشرائعهم في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ ” مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ ” أخرجه البخاري ومسلم. فالبيت الجميل بناه من سبقه من الأنبياء والمرسلين ولبناته هي الأحكام والشرائع التي جاؤوا بها، لكن تمام البنيان لم يكتمل إلا بنبوة وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وبنبوته اكتمل بنيان الدين أصولا وفروعا فلا نبي بعده ولا إضافة للبنيان من بعده إلى قيام الساعة. 

وقد كان القرآن الكريم أكثر تفصيلا من السنة في تناول قصة المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام، بل إن هذا التفصيل غير موجود حتى في كتب النصارى أنفسهم، بل لا يوجد كتاب على وجه الأرض منح السيد المسيح عليه السلام وأمه البتول وعائلته الكريمة تكريماً وتبجيلاً أعظم من القرآن الكريم، فقد أولى عناية منقطعة النظير لكل ما يتعلق بسيدنا عيسى عليه السلام، حتى سميت ثالثة سوره باسم آل عمران، وسورة أخرى من أعظم السور باسم والدته مريم عليها السلام، وسورة ثالثة عظيمة باسم ” المائدة”، وهي التي طلبها حواريو عيسى عليه السلام، على حين أنه لا توجد سورة تحمل اسم عائلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بني هاشم أو بني عبدالمطلب، أو سورة تحمل اسم أمه آمنة بنت وهب، وقد ورد اسم عيسى عليه السلام في القرآن خمساً وعشرين مرة، واسم أمه في القرآن أربعاً وثلاثين مرة. 

وعندما يقرأ المسلم القرآن الكريم والسنة المطهرة يشعر بالسلام والتعاون مع أصحاب الأديان الأخرى، كما يشعر بالقرب والمحبة مع أتباع نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام، وعلينا كمسلمين أوروبيين أن ننشر ثقافة التعريف بعقيدتنا في نبي الله عيسى والتي يمكن إيجازها فيما يلي: 

  1. الإيمان بأن عيسى عبد الله ورسوله واجب على كل مسلم: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]
  2. دعا موسى قومه إلى توحيد الله {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على إخوته معه ومع سائر الأنبياء واشتراكهم جميعا في الدعوة إلى التوحيد فقال:”الأنبياء كلهم إخوة لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد”
  3. أكد القرآن الكريم على بشرية عيسى عليه السلام {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] فهو عليه السلام لا يختلف عن أي إنسان إلا بأمرين هما                                    :
    أحدهما: أن الله تعالى خلقه دون أب، وإنما بنفخة من عند الله.

والثاني: أنه رسول الله، وكلمته وأنه أكرمه بمعجزات مادية عظيمة، وأن الله تعالى وصفه بصفات عظيمة، وذكر القرآن آيات كثيرة تدل على مخلوقية مريم وكذلك مخلوقية ولدها عيسى، وهذا يعني أنه لا هو ولا هي إله؛ لأن الخالق واجب الوجود أزلي قديم ليس قبله شيء. الغرابة في كونه وُلد دون أب ودون توفر الأسباب الطبيعية لخلقه، وهذا أمر يرجع لقدرة الله الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون. والله القادر على الخلق من العدم كما خلق آدم، قادر على خلق إنسان بلا أب (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الروم 27    

  • الله ليس المسيح ولا ثالث ثلاثة {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 
  •  الله تعالى منزه عن الولد والشريك {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (} [المؤمنون: 91، 92]

رسائل الحديث 

  1. أخوة الأنبياء تقتضي أخوة الناس جميعا وتحابهم وتعاونهم وإن اختلفت أديانهم وألوانهم وأعراقهم. 
  2. ختم الله الشرائع بشريعة الإسلام، والأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم فهي الرسالة الكاملة التامة المكملة والمصححة لرسائل السابقين من الأنبياء، ولا يصح إيمان المؤمن إلا بإيمانه بالأنبياء السابقين دون تفريق بين أحد منهم. 
  3. شرائع الأنبياء أصلها واحد وقد دعوا جميعا إلى التوحيد ومكارم الأخلاق وإن اختلفت في الفروع والتفاصيل، والاختلاف بين أتباع الأديان يجب أن يؤدي إلى التسامح والتعاون والتشارك لا التباغض والتدابر والتشاحن فضلا عن التحارب والتقاتل. 
  4. إذا كان دين الأنبياء واحد رغم الاختلاف والنسخ الواقع في شرائعهم فإن دين الإسلام واحد ومصدره واحد والاختلافات الفقهية في الفروع التراثية والمعاصرة لا يصح أبدا أن تتخذ ذريعة للعصبية أو الخلاف بين المسلمين. 
  5. مساحة المشتركات بين المسلمين وغيرهم كثيرة جدا وواسعة جدا وهى الداخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: دينهم واحد. وعلينا الالتقاء والعمل في هذه المساحات وعدم تركها للاختلافات الجوهرية الأخرى التي لن يسلم كل فريق للآخر برأيه فيها. 

بقلم الدكتور: خالد حنفي