لماذا سمي الإنسان إنساناً؟
معنى كلمة إنسان: كلمة إنسان ترجع إلى معنى (الظهور)، عكس الجن فهم مختفون.
أو معنى آخر هو: (النسيان)، فعن ابن عباس: “إنما سمي الإنسان إنسانا؛ لأنه عهد إليه فنسي”.
ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام أن الظهور أصل معناه فينبغى أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في نفسه وطريقته وحياته، فيكون ظاهراً في مبادئه وقيمه وأخلاقه ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى كما يتوارى الجن.
وهناك رأي آخر، وهو أن أصل كلمة إنسان من (الأنس) وتعني الوناسة فهو الكائن الذي أنست الأرض بوجوده، وعكسها الوحشة، ومكان موحش يعني المكان الذي يخلو من الإنسان.
كرامة الإنسان :
لقد رفع اللّه تعالی قدر الإنسان في القرآن وأعلی مکانته بحیث لایطاوله في ذلك أی مخلوق من المخلوقات، وذلك ظاهر فى نواح مادية ومعنوية عديدة :
التكريم المعنوي
فمن التكريم المعنوي: خلقه الله وسواه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ووهبه عقلاً عظيماً يتمكن به من معرفة الأسرار والظواهر، ويسيطر به على كثير من القوى والمخلوقات، ومع أن الإنسان محدود فى أعضائه وخلقته، إلا أن طاقات ضخمة أودعها الله فيه جعلته يخترق الفضاء، وينسف الجبال، وأعظم من ذلك كله معرفته ربه الذى خلقه وسواه ورفع قدره واجتباه.
ومن التكريم المعنوى للإنسان قبول توبته بعد خطئه، واستقباله بالفرح والحفاوة به إذا رجع عن ذنبه.
التكريم المادي
ومن التكريم المادي الذى كرم الله به الإنسان أن سخر له جميع المخلوقات: ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ ” 20لقمان.
ومن هذه المخلوقات ما لا ترى لضخامتها كالمجرات، وما لاترى لتناهى صغرها كالبكتريا، وكلها تشترك فى خدمة الإنسان، وتنعيمه، وتأمين غذائه وكسائه ولباسه ودوائه، وكثير ما يذكر الله تعالى هذا التسخير والتنعيم بين يدى قصة خلق الإنسان، كما فى سورة البقرة، والأعراف، والحجر، وسور أخرى:
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ ) البقرة.
وفى تكريم لله للإنسان بصفة عامة
قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) 70 الإسراء.
تكليف الإنسان :
ولما كان الإنسان بها القدر، وتلك المنزلة شاء الله تعالى أن يجعله مكلفا مسؤولاً، فاستخلفه فى الأرض وحمله الأمانة.
فالمفهوم الصحيح للأمانة :
هو استخلاف الله لهذا الإنسان فى الأرض يَسكُنها ليعمرها بعبادته،
قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ الذاريات: 56 – 58،
وقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]،
فالآيات تُشير بوضوح إلى إرادة الله لهذا الإنسان أن يمثِّل الأنموذج السويِّ في حمل أمانة الله؛ وهي عبادته على النحو الذي يُريده – سبحانه وتعالى – لا كما فعلت الجن الذين سكَنوا الأرض فأساؤوا وأفسَدوا وتمرَّدوا على الله، فسلَّط عليهم ملائكته فقتلتْهم وطارَدتهم حتى ألجأتهم إلى سُكنى البحار والجبال، ولم تقم لهم قائمة، واستخلف مكانهم هذا الإنسان بتكوينه الطِّيني المنسجم مع ذات الأرض؛ ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].
وفى تحميل الله الأمانة للإنسان يقول تعالى -: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72.
ومما يساعد الإنسان على تحقيق الاستخلاف العقل والعلم والعدل: فالبعقل يفكر ويتأمل، وبالعلم يعرف الحقائق، وبالعدل يحسن فلا يجور، ولا يظلم، لا مع البيئة والطبيعة، ولا مع الناس.
والأمانة يتسع مفهومها فى الإسلام ليشمل كل وظائف الدين، وكل شئ يؤتمن عليه الإنسان،
” فالتكاليف الشرعية من عبادات ومعاملات، والأموال والثروات، والمناصب الاجتماعية والإدارية والسياسية، والماء والهواء والتربة، وكل عناصر البيئة، والأولاد والأزواج، والآباء والأمهات، والطلاب بين أيدى المعلمين، والأعمال والأشغال والوظائف والمجالس والأسرار بين الناس، كل ذلك وغيره داخل فى مفهوم الأمانة التى كلفنا الله بتحملها وأدائها.
حقوق الإنسان :
ولمّا كانت مكانة الإنسان بهذا المستوى الرفيع، فإنّ الدين الحنيف ضمن له حقوقا تصونه، وتدعمه، وتبعد عنه أسباب الزلل والهبوط، وأولها أن يحيا موفور الكرامة عزيز النفس لا يشكو حيفا ولا هوانا.
- فضمن له حق الحياة، فلا يعتدى على حياته أحد ولو كان نطفة ولو من والديه، ولو من نفسه لنفسه كالانتحار.
- وضمن له حق الكرامة، فكما يحيا الجسد بالطعام والشراب، تحيا النفس بالتكريم.
- وضمن له حق الحرية فى اختيار كل شئ ، بداية من اختيار الدين، واختيار الحاكم، إلى أهون الأمور .
- وضمن له حق التعليم، وللإسلام فى ذلك ماله من توجيهات معروفة نحو العلم وتحصيله والتمكن من كل العلوم النافعة.
- وضمن له حق التملك والتصرف فى ماله بالبيع والشراء والهبة والكراء، وغير ذلك.
- وضمن له حق العمل، وبين حقوق العمال من أجر عادل وراحة مناسبة، وحق الضمان، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول ” أنا أولى بكل مؤمن ..”
– وعظم الإسلام حقوق الوالدين والأزواج والأولاد ، وحقوق الأقارب واليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل ، وعظم كذلك حق المسلم على غير المسلم.